للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى هذا إشارة دقيقة إلى الفرق بين حال نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم وحال إبراهيم عليه السّلام، لأنه تعرض جبريل للخليل وعرض عليه نفسه:

فقال: أمّا إليك.. فلا. ولم يطق جبريل صحبة النبي صلّى الله عليه وسلّم فنطق بلسان العجز وقال:

لو دنوت أنملة لاحترقت «١» .

وشتّان بين حالة يكون فيها جبريل عليه السّلام من قوّته بحيث يعرض للخليل عليه السّلام نفسه، وبين حالة يعترف للحبيب- صلوات الله عليه- فيها بعجزه.

قوله جل ذكره: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً، قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ. وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً.

الإمام من يقتدى به، وقد حقّق له هذا حتى خاطب جميع الخلائق إلى يوم القيامة بالاقتداء به فقال: «ملة أبيكم إبراهيم» أي اتبعوا ملة إبراهيم يعنى التوحيد، وقال:

«واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى» .

هذا هو تحقيق الإمامة. ورتبة الإمامة أن يفهم عن الحق ثم يفهم الخلق فيكون واسطة بين الحق والخلق، يكون بظاهره مع الخلق لا يفتر عن تبليغ الرسالة، وبباطنه مشاهدا للحق، لا يتغير له صفاء الحالة، ويقول للخلق ما يقوله له الحق.

قوله جل ذكره: وَمِنْ ذُرِّيَّتِي.

نطق بمقتضى الشفقة عليهم، فطلب لهم ما أكرم به. فأخبره أن ذلك ليس باستحقاق نسب، أو باستيجاب سبب، وإنما هى أقسام مضت بها أحكام فقال له: «لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»


(١) يشير بهذا إلى ما حدث ليلة الاسراء والمعراج فى الملأ الأعلى (انظر كتاب المعراج) للقشيرى نشره دكتور على عبد القادر. ط. (الكتب الحديثة) سنة ١٩٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>