للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا أخذ البلاء بخناقهم، واستمكن الضّرّ من أحوالهم، وعلموا ألّا محيص ولا محيد أخذوا فى التضرّع والاستكانة، ودون ما يرومون خرط القتاد! ويقال لهم هلّا كان عشر عشر هذا قبل هذا؟ ولقد قيل:

قلت للنفس: إن أردت رجوعا ... فارجعى قبل أن يسدّ الطريق

قوله جل ذكره:

[[سورة المؤمنون (٢٣) : آية ١٠١]]

فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (١٠١)

يومئذ لا تنفع الأنساب وتنقطع الأسباب، ولا ينفع النّدم، وسيلقى كلّ غبّ ما اجترم فمن ثقلت بالخيرات موازينه لاح عليه تزيينه. ومن ظهر ما يشينه فله من البلاء فنونه تلفح وجوههم النار، وتلمح من شواهدهم الآثار، ويتوجه عليهم الحجاج، فلا جواب لهم يسمع، ولا عذر منهم يقبل، ولا عذاب عنهم يرفع، ولا عقاب عنهم يقطع.

قوله جل ذكره:

[[سورة المؤمنون (٢٣) : آية ١٠٦]]

قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (١٠٦)

نطقوا بالحقّ ... ولكن فى يوم لا ينفع فيه الإقرار، ولا يقبل الاعتذار، ثم يقولون:

[[سورة المؤمنون (٢٣) : آية ١٠٧]]

رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (١٠٧)

والحقّ يقول: لو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه. علم أنّ ردّهم إلى الدنيا لا يكون، ولكنه علم أنّه لو كان فكيف كان يكون.

قوله جل ذكره:

[[سورة المؤمنون (٢٣) : آية ١٠٨]]

قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (١٠٨)

عند ذلك يتمّ عليهم البلاء، ويشتدّ عليهم العناء، لأنهم ما داموا يذكرون الله لم يحصل الفراق بالكلية، فإذا حيل بينهم وبين ذكره تتم لهم المحنة، وهو أحد ما قيل فى قوله.

«لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ» «١» .


(١) آية ١٠٣ سورة الأنبياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>