للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إرسال الرسول مفاتحة لأبواب الوصول، فكان فى سابق علمه- سبحانه- أن قلوب أوليائه متعطشة إلى لقائه. ولا سبيل لأحد إليه إلا بواسطة الرسل فأقوام ألزمهم- بإرسال الرسل إليهم الكلف، وآخرون أكرمهم- بإرسال الرسل إليهم- بفنون القرب والزّلف، وشتّان بين قوم وقوم! قوله جل ذكره:

[[سورة البقرة (٢) : آية ١٥٢]]

فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (١٥٢)

الذكر استغراق الذاكر فى شهود المذكور، ثم استهلاكه فى وجود المذكور، حتى لا يبقى منك أثر يذكر، فيقال قد كان مرة فلان.

«فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ» أي كونوا مستهلكين فى وجودنا، نذكركم بعد فنائكم عنكم، قال الله تعالى: «إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ» كانوا وقتا ولكنهم بانوا دائما «١» :

أناس حديث حسن ... فكن حديثا حسنا لمن وعنى «٢»

وطريقة أهل العبارة «٣» (فَاذْكُرُونِي) بالموافقات (أَذْكُرْكُمْ) بالكرامات، وطريقة أهل الإشارة (فَاذْكُرُونِي) بترك كل حظ (أَذْكُرْكُمْ) بأن أقيمكم بحقي بعد فنائكم عنكم.

(فَاذْكُرُونِي) مكتفين بي «٤» عن عطائى وأفضالى (أَذْكُرْكُمْ) راضيا بكم دون أفعالكم.

(فَاذْكُرُونِي) بذكرى لكم ما تذكرون، ولولا سابق ذكرى لما كان لاحق ذكركم.

(فَاذْكُرُونِي) بقطع العلائق (أَذْكُرْكُمْ) بنعوت الحقائق.

ويقال اذكرني لكل من لقيته أذكرك لمن خاطبته، فمن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منهم.


(١) يقول يحيى بن معاذ: العارف كائن بائن. ومرة قال: المعارف كان فبان (الرسالة ص ١٥٧) . [.....]
(٢) البيت منقول كما جاء فى ص، لم نحاول أن نبدل فى كتابته وهو مضطرب وزنا ومعنى.
(٣) وردت (العبادة) والأصوب أن يكون احتمال ورودها فى الأصل (العبارة) لتعبّر عن درجة أدنى من درجة أهل (الإشارة) .
(٤) وردت (مكتفيا لى) والأقرب الى المعنى أن تجعلها فى صورة الجمع وأن يكون حرف الباء أولى من اللام حيث يقال اكتفيت بالله عن عطاء الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>