للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلمّا وافى موسى ذلك اليوم وشاهد ذلك ورآهما يمنعان غنمهما عن الماء رقّ قلبه لهما وقال:

ما خطبكما؟ فقالتا: «لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ» وليس لدينا أجير.

فلمّا انصرف الرعاة سقى لهما، ثم تولّى إلى ظلّ جدار بعد ذلك. كان الجوع قد أصابه خلال سفره، ولم يكن قد تعوّد قط الرحلة والغربة، ولم يكن معه مال، فدعا الله:

«فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ» .

قيل طلب قوة تزيل جوعه، وقيل طلب حالا يستقلّ بها. والأحسن أن يقال جاع فطلب كسرة يسدّ بها رمقه- والمعرفة توجب سؤال ما تحتاج إليه من الله قليلا أو كثيرا «١» . فلمّا انصرفت ابنتا شعيب خرج شعيب إلى ظاهر الصحراء على طريق الماشية لميسّها بيديه فوجد أثر الزيادة في تلك الكرّة، فسألهما فذكرتا له القصة، وما سمعتا منه حين قال: «رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ، فقال شعيب: إذا هو جائع. وبعث إحداهما لتدعوه: - «فجاءته إحداهما تمشى على استحياء قالت إنّ أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا. فلمّا جاءه وقصّ عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين» قيل إنما استحيت لأنها كانت تخاطب من لم يكن لها محرما «٢» .

وقيل لمّا دعته للضيافة تكلمت مستحيية- فالكريم يستحى من الضيافة.

ويقال لم تطب نفس شعيب لمّا أحسن موسى إليه وأنه «٣» لم يكافئه- وإن كان موسى


(١) لاحظ كيف طبق القشيري (أدب السؤال) ومتى يجب؟ وكيف يجب؟ على موقف موسى الغريب المسافر الجائع المتعب، وهذه الإشارة موجهة من بعين إلى أرباب الطريق. [.....]
(٢) المحرم من الرجال والنساء الذي يحرم التزوج به لرحمه وقرابته.
(٣) الضمير فى (وأنه) يعود على شعيب كما هو واضح من السياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>