للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله جل ذكره:

[[سورة الحشر (٥٩) : آية ٢١]]

لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١)

أي لو كان للجبل عقل وصلاح فكر وسرّ، وأنزلنا عليه هذا القرآن لخضع وخشع.

ويجوز أن يكون على جهة ضرب المثل كما قال: «تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ» «١» ويدل عليه أيضا قوله:

«وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ» : ليعقلوا ويهتدوا، أي بذلك أمرناهم، والمقصود بيان قسوة قلوبهم عند سماع القرآن.

ويقال: ليس هذا الخطاب على وجه العتاب معهم، بل هو على سبيل المدح وبيان تخصيصه إيّاهم بالقوة فقال: «لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ» لم يطق ولخشع- وهؤلاء خصصتهم بهذه القوة حتى أطاقوا سماع خطابى «٢» .

قوله جل ذكره:

[[سورة الحشر (٥٩) : آية ٢٢]]

هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (٢٢)

«الْغَيْبِ» : ما لا يعرف بالضرورة، ولا يعرف بالقياس من المعلومات «٣» . ويقال: هو ما استأثر الحقّ بعلمه، ولم يجعل لأحد سبيلا إليه.

«وَالشَّهادَةِ» : ما يعرفه الخلق.

وفي الجملة: لا يعزب عن علمه معلوم.


(١) آية ٩٠ سورة مريم.
(٢) يتصل هذا بموضوع السماع عند الصوفية، وقد عقد السراج له فصلا ممتعا فى «اللمع» ، ومن أقواله المتصلة بهذه النقطة الى أثارها القشيري يقول السراج: ألا ترى أحدهم يكون ساكنا فيتحرك ويظهر منه الزفير والشهيق، وقد يكون من هو أقوى منه ساكنا في وجده لا يظهر منه شىء من ذلك (اللمع ص ٣٧٥) ويجيب الجنيد حين سئل عن سكونه وقلة اضطرابه عند السماع: وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) .
(٣) أي لا يعرف بالضرورة العقلية ولا بالقياس العقلي لأن العقل يستمد أحكامه من المحسات، والغيب بعيد عن المحسات، فلا سبيل للخلق إليه بوسائلهم المحدودة وحدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>