للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والله- سبحانه- أجرى سنّته بأنه إذا ساكن عبد بقلبه إلى أحد شوّش على خواصّه محلّ مساكنته غيرة على قلبه إلى أن يعاود ربّه، ثم يكفيه ذلك- ولكن بعد تطويل مدة، وأنشدوا في معناه:

إذا علّقت روحى حبيبا تعلّقت ... به غير الأيام كى تسلبنّيه

وقد ألقى الله في قلب رسوله صلى الله عليه وسلم تناسيا بينه وبين زوجاته فاعتزلهن «١» ، وما كان من حديث طلاق حفصة، وما عاد إلى قلب أبيها، وحديث الكفاية، وإمساكه عن وطء مارية تسعا وعشرين ليلة ... كل ذلك غيرة من الحق عليه، وإرادته- سبحانه- تشويش قلوبهم حتى يكون رجوعهم كلّهم إلى الله تعالى بقلوبهم.

قوله جل ذكره:

[[سورة التحريم (٦٦) : آية ٤]]

إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (٤)

عاتبهما على السير من خطرات القلب، ثم قال: «وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ ... » .

«صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ» من لم يكن منهم في قلبه نفاق، مثل أبى بكر وعمر رضى الله عنهما.

وجاء: أن عمر بن الخطاب لما سمع شيئا من ذلك قال لرسول الله:

لو أمرتنى لأضربنّ عنقها! «٢»


(١) دخل عليه عمر في المشربة فإذا هو مضطجع على حصير قد أثّر في جنبه، وبجواره قبضة من شعير وتكاد خزانته تخلو من كل شىء فبكى عمر وقال: يا نبيّ الله.. أنت رسول الله.. وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، فقال النبي: يا بن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟ فقال عمر: إن كان يشق عليك من أمر النساء.. فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته، وأنا وأبو بكر والمؤمنون! ولم يزل يحدثه حتى تبسّم صلوات الله عليه وخرجا إلى الناس.
(٢) لما سمع عمر الناس بالمسجد يقولون: لقد طلق الرسول نساءه! غضب وذهب إلى بيت النبي ليعلم الأمر فذهب أولا إلى عائشة وقال: يا بنة أبى بكر أقد بلغ من شأنك أن تؤذى رسول الله؟ فقالت: يا بن الخطاب عليك بعيبتك، فاتجه إلى حفصة وقال: والله لقد علمت أن رسول الله لايحبك ولولا أنا لطلقك.. فبكت بكاء شديدا.
وذهب إلى رسول الله قائلا: والله لئن أمر في رسول الله بضرب عنق ابنتي لفعلت.

<<  <  ج: ص:  >  >>