للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«كَلَّا وَالْقَمَرِ» كلّا- حرف ردع وتنبيه أي: ارتدعوا عما أنتم عليه، وانتبهوا لغيره وأقسم بهذه الأشياء «كَلَّا وَالْقَمَرِ» : أي بالقمر، أو بقدرته على القمر.

وبالليل إذا أدبر ... وقرىء «ودبر» أي: مضى، «وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ» أي: تجلّى «إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ» .

أي: النار لإحدى الدواهي الكبر.

ويقال في «كَلَّا وَالْقَمَرِ» إشارة إلى أقمار العلوم إذا أخذ هلالها في الزيادة بزيادة البراهين، فإنها تزداد، ثم إذا صارت إلى حدّ التمام في العلم وبلغت الغاية تبدو أعلام المعرفة، فالعلم يأخذ فى النقصان، وتطلع شمس المعرفة، فكما أنه إذا قرب القمر من الشمس يزداد نقصانه حتى إذا قرب من الشمس تماما صار محاقا- كذلك إذا ظهر سلطان العرفان تأخذ أقمار العلوم فى النقصان لزيادة المعارف كالسراج في ضوء الشمس وضياء النهار. «وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ» أي إذا انكشفت ظلم البواطن، «وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ» وتجلّت أنوار الحقائق في السرائر ... إنها لإحدى العظائم! وذلك من باب التخويف من عودة الظّلم إلى القلوب «١» .

«نَذِيراً لِلْبَشَرِ» فى هذا تحذير من الشواغل التي هي قواطع عن الحقيقة، فيحذروا المساكنة والملاحظة إلى الطاعات والموافقات ... فإنّها- فى الحقيقة- لا خطر لها «٢» .

«لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ» عن الطاعات ... وهذا على جهة التهديد.

قوله جل ذكره: «كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ» أي: مرتهنة بما عملت، ثم استثنى:

«إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ» .


(١) من خصائص أسلوب القشيري- كما أوضحنا ذلك في كتابنا عنه- أنه كثيرا ما يستعين بمظاهر الطبيعة: الليل والنهار- والقمر والشمس والجبال والمطر والبحار وغير ذلك كى يوضح عن طريق ذلك دقائق العلم الصوفي.
(٢) يقصد أن نظرة الإنسان إلى عمله، وإعطاء هذا العمل قيمة ... من قبيل دعوى النفس ... المهم في الطريق فضل الله واجتباه الله. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>