للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و «المستغفرين» عن جميع ما فعلوه لرؤية تقصيرهم فى الله «١» ويقال: «الصابرين» بقلوبهم و «الصادقين» بأرواحهم و «القانتين» بنفوسهم، و «المستغفرين» بألسنتهم.

ويقال «الصابرين» على صدق القصود و «الصادقين» فى العهود و «القانتين» بحفظ الحدود و «المستغفرين» عن أعمالهم وأحوالهم عند استيلاء سلطان التوحيد.

ويقال «الصابرين» الذين صبروا على الطلب ولم يتعللوا بالهرب ولم يحتشموا من التعب، وهجروا كل راحة وطلب. وصبروا على البلوى، ورفضوا الشكوى، حتى وصلوا إلى المولى، ولم يقطعهم «٢» شىء من الدنيا والعقبى.

و «الصادقين» الذين صدقوا فى الطلب فقصدوا، ثم صدقوا حتى وردوا، ثم صدقوا حتى شهدوا، ثم صدقوا حتى وجدوا، ثم صدقوا حتى فقدوا ... فترتيبهم قصود ثم ورود ثم شهود ثم وجود ثم خمود «٣» .

و «القانتين» الذين لازموا الباب، وداوموا على تجرّع الاكتئاب، وتركوا المحاب، ورفضوا الأصحاب إلى أن تحققوا بالاقتراب.

و «المنفقين» الذين جادوا بنفوسهم من حيث الأعمال، (ثم جادوا بميسورهم من الأموال) «٤» ، ثم جادوا بقلوبهم بصدق الأحوال، ثم جادوا بترك كل حظ لهم فى العاجل الآجل، استهلاكا عند القرب والوصال بما لقوا من الاصطلام والاستئصال «٥» .

و «المستغفرين» عن جميع ذلك إذا رجعوا إلى الصحو عند الاسحار يعنى ظهور الإسفار، وهو فجر القلوب لا فجر يظهر فى الأقطار.


(١) قارن ذلك بما يحكيه المناوى في (طبقاته) وابن الجوزي فى (صفة الصفوة) عن رابعة أنها كانت تردد: (استغفارنا يحتاج إلى استغفار لعدم الصدق فيه) .
(٢) قواطع الدنيا معروفة أما قواطع العقبى فهى تعليق العمل المبذول بالأجر، إما الطمع فى المثوبة أو الخوف من العقوبة.
(٣) هذا تلخيص دقيق للمعراج الروحي ينبغى أن نتمهل عنده لحسن فهمه واستيعابه.
(٤) مستدركة فيما بين السطور فأثبتناها فى موضعها.
(٥) الاستئصال هو الذي عبر عنه القشيري فى رسالته بقوله: (كأس تصطمهم منهم وتفنيهم وتختطفهم ولا تبقهم، كأس لا تبقى ولا تذر، تمحوهم بالكلية، ولا تبقى شظية من آثار البشرية) الرسالة ص ٤٣

<<  <  ج: ص:  >  >>