للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: ثم قف فى محل التذلل مبتهلا إلينا فى استغفارهم. وكذا سنّته- سبحانه- مع أنبيائه عليهم السّلام وأوليائه، يردّهم من جمع إلى فرق ومن فرق إلى جمع، فقوله: «فَاعْفُ عَنْهُمْ» جمع، وقوله: «وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ» فرق.

ويقال «فَاعْفُ عَنْهُمْ» وتجاوز عنهم فى حقوقك، ولا تكتف بذلك ما لم تستغفر لهم إكمالا للكرم ولهذا كان يقول: «اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون» .

ويقال ما يقصّرون فى حقّك تعلّق به حقّان: حقك وحقى، فاذا عفوت أنت فلا يكفى هذا القدر بل إن لم أتجاوز عنهم فى حقى كانوا مستوجبين للعقوبة فمن أرضى خصمه لا ينجبر حاله ما لم يغفر الله له فيما ترك من أمره.

وقوله «وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ» أي أثبت لهم محلا فإنّ المعفو عنه فى صدار الخجلة لا يرى لنفسه مقام الكرامة، فإذا شاورتهم أزلت عنهم انكسارهم، وطيّبت لهم قلوبهم.

ويقال تجنّسوا فى أحوالهم: فمن مقصّر فى حقه أمر بالعفو عنه، ومن مرتكب لذنوبه أمر بالاستغفار له، ومن مطيع غير مقصر أمر بمشاورته.

ثم قال: «فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ» أي لا «١» تتكل على رأى مخلوق وكل الأمور إلىّ، فإنا لا نخليك عن تصريف القبضة بحال.

وحقيقة التوكل شهود التقدير، واستراحة القلوب عن كد التدبير.

«إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» يذيقهم برد الكفاية ليزول عنهم كل لغب «٢» ونصب، وإنه يعامل كلا بما يستوجبه فقوم يغنيهم- عند توكلهم- بعطائه، وآخرون يكفيهم- عند توكلهم- بلقائه، وقوم يرضيهم فى عموم أحوالهم حتى يكتفون ببقائه، ويقفون معه به له- على تلوينات «٣» قدره وقضائه.


(١) سقطت (لا) من الناسخ.
(٢) وردت (لقب) بالقاف والصواب أن تكون (لغب) بالغين، وربما كانت فى الأصل (تعب)
(٣) اللفظة رديئة الخط، ويحتمل أنها (تقلبات) ، وتلوين الأحوال مصحوب- حسب الاصطلاح الصوفي- يتقلب الأحوال، ولهذا فالمعنى يتقبل كلا اللفظين.

<<  <  ج: ص:  >  >>