للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقال يشكره لأنه يعلم ضعفه، ويقال يشكره لأنه يعلم أنه لا يعصى وقصده مخالفة ربّه ولكنه يذنب لاستيلاء أحوال البشرية عليه من شهوات غالبة.

ويقال يشكره لأن العبد يعلم فى حالة ذنوبه أن له ربّا يغفر له.

قوله جل ذكره:

[[سورة النساء (٤) : آية ١٤٨]]

لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً (١٤٨)

قول المظلوم فى ظالمه- على وجه الإذن له- ليس بسوء فى الحقيقة، لكنه يصح وقوع لفظة السوء عليه كقوله تعالى: «وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها» «١» والجزاء ليس بسيئة.

ويقال من علم أن مولاه يسمع استحيا من النطق بكثير مما تدعو نفسه إليه.

ويقال الجهر بالسوء هو ما تسمعه نفسك منك فيما تحدّث فى نفسك من مساءة الخلق فإن الخواص يحاسبون على ما يتحدثون فى أنفسهم «٢» بما (يعد) «٣» لا يطالب به كثير من العوام فيما يسمع منهم الناس.

قوله: «إِلَّا مَنْ ظُلِمَ» : قيل ولا من ظلم. وقيل معناه ولكن من ظلم فله أن يذكر ظالمه بالسوء «٤» .

ويقال من لم يؤثر مدح الحقّ على القنح فى الخلق فهو المغبون فى الحال.

ويقال من طالع الخلق بعين الإضافة إلى الحق بأنهم عبيد الله لم ينبسط فيهم لسان اللوم


(١) الآية ٤٠ سورة الشورى.
(٢) من ذلك ما يحكيه القشيري فى كتابه «التحبير فى التذكير» عن الشبلي حيث يقول: «قال بعضهم كنت مع الشبلي- رحمه الله- ففتح له بمنديل حسن فمر بكلب ميت فقال لى: كفن هذا الكلب بهذا المنديل. وعدت إليه فقال لى فعلت ما أمرتك به؟ فقلت: لا. فلم يقل لى شيئا فقلت له: ما سبب ذلك الذي أمرتنى به؟ فقال: عند ما مررت به استقذرته واستقبحته، فنوديت في سرى: ألسنا نحن خلقناه؟ فأمرتك بذلك كفارة لما خطر لى» .
(٣) ربما كانت هذه اللفظة (يعد) زائدة، أو سقطت (لا) قبلها فيكون معنى (لا يعد) لا يحسب ولا يعتبر.
(٤) عن ابن عباس: إن الله لا يحب أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوما فإنه قد أرخص له.
وعن الحسن البصري يكفى أن يقول المظلوم «اللهم أعنى عليه واستخرج حقى منه» وفى رواية عنه أنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه من غير أن يعتدى عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>