للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعنى إن الذين سقمت ضمائرهم، وضعفت فى التحقيق بصائرهم تسبق إلى قلوبهم مداراة «١» الأعداء خوفا من معاداتهم، وطمعا فى المأمول من صحبتهم، ولو استيقنوا أنهم فى أسر العجز وذل الإعراض ونفى الطرد لأمّلوا الموعود من كفاية الحق، والمعهود من جميل رعايته، ولكنهم حجبوا عن محل التوحيد فتفرّقوا فى أودية الحسبان والظنون، وعن قريب يأتيكم الفرج- أيها المؤمنون، وترزقون الفتح بحسن الإقبال، والظفر بالمسئول لسابق الاختيار، فيشعرون الندم، ويقاسون الألم، وأنتم (تعلون) «٢» رءوسكم بعد الإطراق، وتصفو لكم مشارب الإكرام، وتضىء بزواهر القرب مشارق القلوب. حينئذ يقول الذين آمنوا هؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم يعاينون بأبصارهم ما تحققوه بالغيب فى أسرارهم، ويصلون من موعودهم إلى ما يوفى ويربو على مقصودهم.

قوله جل ذكره:

[[سورة المائدة (٥) : آية ٥٤]]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٥٤)

جعل صفة من لا يرتدّ عن الدين أن الله يحبه ويحبّ الله، وفى ذلك بشارة عظيمة للمؤمنين لأنه يجب أن يعلم أن من كان غير مرتد فإنّ الله يحبه. وفيه إشارة دقيقة فإن من كان مؤمنا يجب أن يكون لله محبا، فإذا لم تكن له محبة فالخطر بصحة إيمانه. وفى الآية دليل على جواز محبة العبد لله وجواز محبة الله للعبد.

ومحبة الحق للعبد لا تخرج عن وجوه: إمّا أن تكون بمعنى الرحمة عليه أو بمعنى اللطف والإحسان إليه، والمدح والثناء عليه.

أو يقال إنها بمعنى إرادته لتقريبه وتخصيص محله.

وكما أن رحمته إرادته لإنعامه فمحبته إرادته لإكرامه، والفرق بين المحبة والرحمة على هذا القول أن المحبة إرادة إنعام مخصوص، والرحمة إرادة كل نعمة فتكون المحبة أخصّ من الرحمة،


(١) وردت (هرارة) ، وبالرجوع إلى كتب التفسير ساعدتنا على اختيار (مداراة) (انظر تفسير وجدي) .
(٢) وردت (تعلمون) والملائم أن تكون (تعلون) رءوسكم بعد الإطراق.

<<  <  ج: ص:  >  >>