للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واللفظان يعودان إلى معنى واحد فإن إرادة الله تعالى واحدة وبها يريد سائر مراداته، وتختلف أسماء الإرادة باختلاف أوصاف المتعلق.

وأمّا محبة العبد لله- سبحانه- فهى حالة لطيفة يجدها فى قلبه، وتحمله تلك الحالة على إيثار «١» موافقة أمره، وترك حظوظ نفسه، وإيثار حقوقه- سبحانه- بكل وجه.

وتحصل العبارة عن تلك الحالة على قدر ما تكون صفة العبد فى الوقت الذي يعبّر عنه فيقال المحبة ارتياح القلب لوجود المحبوب، ويقال المحبة ذهاب المحبّ بالكلية فى ذكر المحبوب، ويقال المحبة خلوص المحب لمحبوبه بكل وجه، والمحبة بلاء كل كريم، والمحبة نتيجة الهمة فمن كانت همته أعلى فمحبته أصفى بل أوفى بل أعلى.

ويقال المحبة سكر لا صحو فيه ودهش فى لقاء المحبوب يوجب التعطّل عن التمييز، ويقال المحبة بلاء لا يرجى شفاؤه، وسقام لا يعرف دواؤه. ويقال المحبة غريم يلازمك لا يبرح، ورقيب من المحبوب يستوفى له منك دقائق الحقوق فى دوام الأحوال، ويقال المحبة قضية توجب المحبة فمحبة الحق أوجبت محبة العبد «٢» .

قوله جل ذكره: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ.

لولا أنه يحبهم لما أحبوه، ولولا أنه أخبر عن المحبة فأنّى تكون للطينة ذكر المحبة؟

ثم بيّن الله تعالى صفة المحبين فقال «أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ» . يبذلون المهج فى المحبوب من غير كراهة، ويبذلون الأرواح فى الذبّ عن المحبوب من غير ادخار شظية من الميسور.


(١) وردت خطأ (إيسار) بالسين
(٢) كلام القشيري فى المحبة هنا لا يكاد يختلف كثيرا عن كلامه عنها فى (الرسالة)

<<  <  ج: ص:  >  >>