للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عدة الأحباب عزيزة، فإذا حصلت المواعدة بين الأحباب، فهى عذبة حلوة كيفما كانت، وفى هذا المعنى أنشدوا:

أمطلينا وسوّفى ... وعدينا ولا تفى

ويقال علّل الحقّ- سبحانه- موسى بالوعد الذي وعده بأن يسمعه مرة أخرى كلامه، وذلك أنه فى المرة الأولى ابتلاه بالإسماع من غير وعد، فلا انتظار ولا توقع ولا أمل، فأخذ سماع الخطاب بمجامع قلب موسى- عليه السّلام- فعلّق قلبه بالميقات المعلوم ليكون تأميله تعليلا له، ثم إن وعد الحقّ لا يكون إلا صدقا، فاطمأن قلب موسى- عليه السّلام- للميعاد، ثم لمّا مضت ثلاثون ليلة أتى كما سلف الوعد فزاد له عشرا فى الموعد. والمطل فى الإنجاز غير محبوب إلا فى سنّة الأحباب، فإن المطل عندهم أشهى من الإنجاز، وفى قريب من هذا المعنى أنشدوا:

أقيمى لعمرك لا تهجرينا ... ومنّينا المنى، ثم امطلينا

عدينا موعدا ما شئت إنّا ... نحبّ وإن مطلت تواعدينا

فإما تنجزى وعدك أو فإنا ... نعيش نؤمل فيك حينا

قوله جل ذكره: وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ.

كان هارون- عليه السّلام- حمولا بحسن الخلق لمّا كان المرور إلى فرعون استصحب موسى- عليه السّلام- هارون، فقال الله- سبحانه-: «أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي» بعد ما قال: «أَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً» . ولمّا كان المرور إلى سماع الخطاب أفرده عن نفسه، فقال: «اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي» وهذا غاية لحمل من هارون ونهاية التصبر والرضاء، فلم يقل: لا أقيم فى قومك. ولم يقل: هلّا تحملني مع نفسك كما

<<  <  ج: ص:  >  >>