للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم على مقتضى أصولهم فى الجملة- لا فى أخذ الزكاة- للفقر مراتب:

أوّلها الحاجة ثم الفقر ثم المسكنة فذو الحاجة من يرضى بدنياه وتسدّ الدنيا فقره، والفقير من يكتفى بعقباه وتجبر الجنة فقره، والمسكين من لا يرضى بغير مولاه لا إلى الدنيا يلتفت، ولا بالآخرة يشتغل، ولا بغير مولاه يكتفى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللهم أحينى مسكينا وأمتنى مسكينا، واحشرنى فى زمرة المساكين» «١» وقال صلى الله عليه وسلم «أعوذ بك من الفقر» لأن عليه بقية «٢» فهو ببقيته محجوب عن ربّه.

ويحسن أن يقال إن الفقر الذي استعاذ منه ألا يكون له منه شىء، والمسكنة المطلوبة أن تكون له بلغة ليتفرّغ بوجود تلك البلغة إلى العبادة لأنه إذا لم تكن له بلغة شغله فقره عن أداء حقّه، ولذلك استعاذ منه.

وقوم سمت همهم عن هذا الاعتبار- وهذا أولى بأصولهم- فالفقير الصادق عندهم من لاسماء تظله ولا أرض تقلّه ولا معلوم يشغله، فهو عبد بالله لله، يردّه إلى التمييز فى أوان العبودية، وفى غير هذا الوقت فهو مصطلم عن شواهده، واقف بربّه، منشق عن جملته.

ويقال الفقير من كسرت فقاره- هذا فى العربية.

والفقير- عندهم «٣» - من سقط اختياره، وتعطلت عنه دياره، واندرست- لاستيلاء من اصطلمه- آثاره، فكأنه لم تبق منه إلا أخباره، وأنشدوا:

أمّا الرسوم فخبّرت أنهم رحلوا قريبا ويقال المسكين هو الذي أسكنه حاله بباب مقصوده، لا يبرح عن سدّته، فهو معتكف بقلبه، لا يغفل لحظة عن ربّه.


(١) الترمذي، وابن ماجة عن أبى سعيد الخدري، والحاكم وقال صحيح الإسناد، ورواه الطبراني بسند رجاله ثقات عن عبادة بن الصامت.
(٢) التفت السهروردي إلى ذلك حين ميز بين الفقير والصوفي فقال إن الفقير يتطلع إلى الأعواض، أما الصوفي فيترك الأشياء لا للأعواض الموعودة بل للأحوال الموجودة فإنه ابن وقته، والفقير له إرادة فى اختيار فقره، أما الصوفي فلا إرادة بنفسه ولكن فيما يوقفه الحق (عوارف المعارف ص ٤٢) .
(٣) أي عند أرباب الأحوال. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>