للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله جلّ ذكره:

[[سورة البقرة (٢) : آية ٣٤]]

وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٣٤)

السجود لا يكون عبادة لعينه «١» ولكن لموافقة أمره سبحانه، فكأن سجودهم لآدم عبادة لله لأنه كان بأمره، وتعظيما لآدم لأنه أمرهم به تشريفا لشأنه، فكأن ذلك النوع خضوع له ولكن لا يسمى عبادة، لأن حقيقة العبادة نهاية الخضوع وذلك لا يصحّ لغيره سبحانه.

ويقال بيّن أن تقدّسه- سبحانه- بجلاله لا بأفعالهم، وأن التجمّل بتقديسهم وتسبيحهم عائد إليهم، فهو الذي يجل من أجلّه بإجلاله لا بأفعالهم، ويعز من أعزّ قدره سبحانه بإعزازه، جلّ عن إجلال الخلق قدره، وعزّ عن إعزاز الخلق ذكره.

قوله تعالى: «فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ» أبى بقلبه، واستكبر عن السجود بنفسه، وكان من الكافرين فى سابق حكمه وعلمه. ولقد كان إبليس مدة فى دلال طاعته يختال فى صدار موافقته، سلّموا له رتبة التقدم، واعتقدوا فيه استحقاق التخصيص، فصار أمره كما قيل:

وكان سراج الوصل أزهر بيننا ... فهبّت به ريح من البين فانطفا

كان يحسب لنفسه استيجاب الخيرية، ويحسب استحقاق الزلفة والخصوصية:

فبات بخير والدنى «٢» مطمئنة ... وأصبح يوما والزمان تقلبا

فلا سالف طاعة نفعه، ولا آنف رجعة رفعه، ولا شفاعة شفيع أدركته، ولا سابق عناية أمسكته. ومن غلبه القضاء لا ينفعه العناء.

ولقد حصلت من آدم هفوة بشرية، فتداركته رحمة أحدية، وأما إبليس فأدركته شقوة أزلية، وغلبته قسمة وقضية. خاب رجاؤه، وضلّ عناؤه.


(١) الضمير عائد على آدم أي ليس السجود لآدم عينه، ويحتمل أنها (لغيره) بدليل قوله فيما بعد (وذلك لا يصح لغيره سبحانه)
(٢) وردت (والزمان) وقد صححنا البيت طبقا لما ورد فى عيون الأخبار لابن قتيبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>