للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله جلّ ذكره:

[[سورة البقرة (٢) : آية ٣٥]]

وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥)

«١» أسكنه الجنة ولكن أثبت مع دخوله شجرة المحنة، ولولا سابق التقدير لكان يبدل تلك الشجرة بالنضارة ذبولا، وبالخضرة يبسا، وبالوجود فقدا، وكانت لا تصل يد آدم إلى الأوراق ليخصفها على نفسه- ويقع منه ما يقع.

ولو تطاولت تلك الشجرة حتى كانت لا تصل إليها يده حين مدّها لم يقع فى شأنه كل ذلك التشويش ولكن بدا من التقدير ما سبق به الحكم.

ولا مكان أفضل من الجنة ولا بشر أكيس من آدم، ولا ناصح يقابل قولة إشارة الحق عليه، ولا غريبة (منه) قبل ارتكابه ما ارتكب، ولا عزيمة أشد من عزيمته- ولكنّ القدرة لا تكابر، والحكم لا يعارض.

ويقال لما قال له: «اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً» كان فيه إشارة إلى أن الذي يليق بالخلق السكون إلى الخلق، والقيام باستجلاب الحظ، وآدم عليه السّلام وحده كان بكل خير وكل عافية، فلمّا جاء الشكل والزوج ظهرت أنياب الفتنة، وانفتح باب المحنة فحين ساكن حواء أطاعها فيما أشارت عليه بالأكل، فوقع فيما وقع، ولقد قيل:

داء قديم فى بنى آدم ... صبوة إنسان بإنسان

[فصل] وكلّ ما منع «٢» منه ابن آدم توفرت دواعيه إلى الاقتراب منه.

فهذا آدم عليه السّلام أبيحت له الجنة بجملتها ونهى عن شجرة واحدة، فليس فى المنقول أنه مدّ يده إلى شىء من جملة ما أبيح، وكان عيل صبره حتى واقع ما نهى عنه- هكذا صفة الخلق.

[فصل] وإنما نبّه على عاقبة دخول آدم الجنة من ارتكابه ما يوجب خروجه منها حين قال: «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» فإذا أخبر أنه جاعله خليفته فى الأرض كيف يمكن بقاؤه فى الجنة؟


(١) وردت خطأ (فكلا) ، والصحيح (وكلا) البقرة: ٣٥.
(٢) وردت (امتنع) ثم استدرك الناسخ فصححها على هذا النحو فى الهامش.

<<  <  ج: ص:  >  >>