للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجعل الإبريسم «١» فى الدود وهو أضعف الحيوانات، وجعل العسل فى النحل وهو أضعف الطيور، وجعل الدّرّ فى الصدف وهو أوحش «٢» حيوان من حيوانات البحر، وكذلك أودع الذهب والفضة والفيروزج فى الحجر ... كذلك أودع المعرفة به والمحبة له فى قلوب المؤمنين وفيهم من يعصى وفيهم من يخطىء «٣» .

قوله جل ذكره:

[[سورة النحل (١٦) : آية ٧٠]]

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٧٠)

خلق الإنسان فى أحسن تركيب، وأملح ترتيب، فى الأعضاء الظاهرة والأجزاء الباطنة، والنور والضياء، والفهم والذكاء. ورزقه من العقل والتفكر، والعلم والتبصر، وفنون المناقب التي خصّ بها من الرأى والتدبير، ثم فى آخر عمره يجعله إلى أرذل العمر مردودا، ويرى فى كل يوم ألما جديدا.

ويقال «مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ» : وهو أن يرد إلى الخذلان بعد التوفيق فهو يكون فى أول أحوال عمره مطيعا ثم يصير فى آخر عمره عاصيا.

ويقال أرذل العمر أن يرغب فى عنفوان شبابه فى الإرادة، ويسلك طريق الله مدّة، ثم تقع له فترة، فيفسخ عقد إرادته، ويرجع إلى طلب الدنيا. وعند القوم هذه ردّة فى هذا الطريق.

ويقال أرذل العمر رغبة الشيخ فى طلب.

ويقال أرذل العمر حبّ المرء للرياسة.


(١) الإبريسم- أحسن الحرير (معرب) (الوسيط ح ١ ص ٢) .
(٢) هنا معناها أجوع الحيوان، من قولهم بات وحشا أي جائعا لم يأكل شيئا فحلا جوفه (الوسيط ج ٢ ص ٦، ١٠) .
(٣) ينسجم اتجاه القشيري فى هذه الإشارة مع السياق القرآنى.. إذ يأتى بعد قليل: «وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ» .. وفضل الله بلا علة.

<<  <  ج: ص:  >  >>