للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقال ما عندكم من اشتياقكم إلى لقائنا فمعرّض للزوال، وقابل للانقضاء، وما وصفنا به أنفسا من الإقبال لا يتناهى وأفضال لا تفنى، كما قيل:

ألا طال شوق الأبرار إلى لقائى ... وإنى للقائهم لأشدّ شوقا

قوله: «وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا ... » : جزاء الصبر الفوز بالطّلبة، والظّفر بالبغية.

ومآلهم فى الطلبات يختلف: فمن صبر على مقاساة مشقة فى الله. فعوضه وثوابه عظيم من قبل الله، قال تعالى: «إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ» «١» .

ومن صبر عن اتباع شهوة لأجل الله، وعن ارتكاب هفوة مخافة لله فجزاؤه كما قال تعالى: أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً» «٢» .

ومن صبر تحت جريان حكم الله، متحققا بأنه بمرآة من الله فقد قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» «٣» .

قوله جل ذكره:

[[سورة النحل (١٦) : آية ٩٧]]

مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧)

الصالح ما يصلح للقبول، والذي يصلح للقبول ما كان على الوجه الذي أمر الله به. وقوله «مَنْ عَمِلَ صالِحاً» : فى الحال، «فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً» : فى المآل فصفاء الحال يستوجب وفاء المآل، والعمل الصالح لا يكون من غير إيمان، ولذا قال: «وَهُوَ مُؤْمِنٌ» .

ويقال «وَهُوَ مُؤْمِنٌ» أي مصدّق بأن إيمانه من فضل الله لا بعمله الصالح. ويقال «وَهُوَ مُؤْمِنٌ» أي مصدّق بأن عمله بتوفيق الله وإنشائه وإبدائه. قوله «فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً» :


(١) آية ١٠ سورة الزمر.
(٢) آية ٧٥ سورة الفرقان.
(٣) صبر العبد مع الله أشد أنواع الصبر ويكون- كما يقول عمرو بن عثمان: بالثبات مع الله، وتلقى بلائه بالرحب والدعة.
وصبر الله مع العبد يصفه الشيخ الدقاق بقوله: فاز الصابرون بعز الدارين لأنهم نالوا من الله تعالى معيته. (الرسالة ص ٩٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>