للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها النبيّ صلى الله عليه وسلم. ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه، ولا أصدق امرأة من بناته، أكثر من اثنتي عشرة أوقية. وإن الرجل ليبتلى بصدقة امرأته (وقال مرة: وإن الرجل ليغلي بصدقة امرأته) حتى تكون لها عداوة في نفسه. وحتى يقول: كلفت إليك عرق القربة. ورواه أهل السنن. وقال الترمذيّ: هذا حديث صحيح.

وروى أبو يعلى عن مسروق قال: ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: أيها الناس! ما إكثاركم في صدق النساء! وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك. ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها. فلأعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم. قال ثم نزل. فاعترضته امرأة من قريش. فقالت: يا أمير المؤمنين! نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم. قال: نعم. فقالت أما سمعت ما أنزل الله في القرآن؟ قال: وأيّ ذلك؟ قالت: أما سمعت الله يقول:

وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً. الآية. قال فقال: اللهم! غفرا. كل الناس أفقه من عمر.

ثم رجع فركب المنبر فقال: أيها الناس! إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم. فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب.

قال أبو يعلي: وأظنه قال: فمن طابت نفسه فليفعل. إسناده جيّد قويّ. قاله ابن كثير.

وفي (الحجة البالغة) ما نصه: لم يضبط النبيّ صلى الله عليه وسلم المهر بحدّ لا يزيد ولا ينقص. إذ العادات في إظهار الاهتمام مختلفة. والرغبات لها مراتب شتى. ولهم في المشاحّة طبقات. فلا يمكن تحديده عليهم. كما لا يمكن أن يضبط ثمن الأشياء المرغوبة بحد مخصوص. ولذلك قال: التمس ولو خاتما من حديد «١» . غير أنه سن في صداق أزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشّا. أي نصفا، انتهى.


(١)
أخرجه البخاريّ في: النكاح، ٤- باب السلطان وليّ، لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم «زوجناكها بما معك من القرآن» . ونصه: عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني وهبت من نفسي. فقامت طويلا. فقال رجل: زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة. قال: «هل عندك من شيء تصدقها؟» قال: ما عندي إلا إزاري. فقال: «إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك. فالتمس شيئا» فقال: ما أجد شيئا. قال: «التمس ولو خاتما من حديد» فلم يجد. فقال: «أمعك من القرآن شيء؟» قال: نعم. سورة كذا وسورة كذا. لسور سماها. فقال: «زوجناكها بما معك من القرآن»
.

<<  <  ج: ص:  >  >>