للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد قلت للشيخ لما طال مجلسه ... يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس؟

هل لك في رخصة الأطراف آنسة ... تكون مثواك حتى مصدر الناس؟

فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. والله! ما بهذا أفتيت ولا أحللت، إلا مثل ما أحل الله الميتة والدم.

وقال الإمام شمس الدين بن القيّم رضوان الله عليه في (زاد المعاد) في الكلام على ما في غزوة الفتح من الفقه، ما نصه: ومما وقع في هذه الغزوة إباحة متعة النساء. ثم حرمها صلى الله عليه وسلم قبل خروجه من مكة. واختلف في الوقت الذي حرمت فيه المتعة على أربعة أقوال: أحدها- إنه يوم خيبر. وهذا قول طائفة من العلماء. منهم الشافعيّ وغيره. والثاني- إنه عام فتح مكة. وهذا قول ابن عيينة وطائفة. والثالث- إنه عام حنين. وهذا في الحقيقة هو القول الثاني- لاتصال غزاة حنين بالفتح. والرابع- إنه عام حجة الوداع. وهو وهم من بعض الرواة. سافر فيه وهمه من فتح مكة إلى حجة الوداع. وسفر الوهم من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان ومن واقعة إلى واقعة، كثيرا ما يعرض للحفاظ فمن دونهم. والصحيح أن المتعة إنما حرمت عام الفتح. لأنه قد ثبت في صحيح مسلم «١» أنهم استمتعوا عام الفتح مع النبيّ صلى الله عليه وسلم بإذنه. ولو كان التحريم زمن خيبر لزم النسخ مرتين. وهذا لا عهدة بمثله في الشريعة البتة. ولا يقع مثله فيها. وأيضا، فإن خيبر لم يكن فيها مسلمات. وإنما كن يهوديات. وإباحة نساء أهل الكتاب لم تكن ثبتت بعد. إنما أبحن بعد ذلك في سورة المائدة بقوله: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ، وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ، وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة: ٥] . وهذا متصل بقوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ.

[المائدة: ٣] . وبقوله: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ. وهذا كان في آخر الأمر بعد حجة الوداع، أو فيها. فلم تكن إباحة نساء أهل الكتاب ثابتة من خيبر. ولا كان للمسلمين رغبة في الاستمتاع. ونساء عدوهم قبل الفتح وبعد الفتح، استرق من استرق منهم وصرن إماء المسلمين. فإن قيل: فما تصنعون بما ثبت في الصحيحين من حديث عليّ بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء.


(١)
أخرجه في صحيحه في: النكاح، ٣- باب نكاح المتعة، حديث ١٣ ونصه: عن جابر وسلمة بن الأكوع قالا: خرج علينا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن لكم أن تستمتعوا.
يعني متعة النساء
.

<<  <  ج: ص:  >  >>