للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن البيع يصح بذلك. وإنما النزاع في كونه لا يصح إلا بها. ولم يرد في ذلك شيء.

وقد قال الله تعالى: تِجارَةً عَنْ تَراضٍ. فدل ذلك على أن مجرد التراضي هو المناط. ولا بد من الدلالة عليه بلفظ أو إشارة أو كتابة، بأي لفظ وقع، وعلى أي صفة كان وبأي إشارة مفيدة، حصل. انتهى.

وقوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً فيه وجهان: الأول- أن المعنى لا تقتلوا من كان من جنسكم من المؤمنين. فإن كلهم كنفس واحدة.

والتعبير عنهم بالأنفس للمبالغة في الزجر عن قتلهم، بتصويره بصورة ما لا يكاد يفعله عاقل. والثاني- النهي عن قتل الإنسان نفسه. وقد احتج بهذه الآية عمرو بن العاص على مسألة التيمم للبرد. وأقره النبيّ صلى الله عليه وسلم على احتجاجه. كما رواه الإمام أحمد وأبو داود.

ولفظ أحمد» عن عمرو بن العاص أنه قال: «لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ذات السلاسل قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد. فأشفقت، إن اغتسلت، أن أهلك. فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح. قال فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له. فقال: يا عمرو! صليت بأصحابك وأنت جنب؟

قال قلت: نعم يا رسول الله! إني احتلمت في ليلة باردة، شديدة البرد. فأشفقت، إن اغتسلت، أن أهلك. وذكرت قول الله عز وجل: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً. فتيممت ثم صليت. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا» .

وهكذا أورده أبو داود «٢» . قال ابن كثير وهذا، أي المعنى الثاني، والله أعلم، أشبه بالصواب. وقد توافرت الأخبار في النهي عن قتل الإنسان نفسه والوعيد عليه.

روى الشيخان «٣» وأهل السنن وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تردّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا. ومن تحسّى سمّا فقتل نفسه فسمّه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا. ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا» .


(١) أخرجه في المسند ٤/ ٢٠٣.
(٢) أخرجه أبو داود في: الطهارة، ١٢٤- باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم؟ حديث ٣٣٤.
(٣) أخرجه البخاريّ في: الطب، ٥٦- باب شرب السم والدواء به وبما يخاف منه، حديث ٧٢١.
وأخرجه مسلم في: الإيمان، حديث ١٧٥.
ورد في البخاريّ: يجأ، وفي مسلم: يتوجأ (ومعناه يطعن) .

<<  <  ج: ص:  >  >>