للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ناراً أي هائلة شديدة العذاب وَكانَ ذلِكَ أي إصلاؤه النار عَلَى اللَّهِ يَسِيراً هينا عليه، لا عسر فيه ولا صارف عنه. لأنه تعالى: لا يعجزه شيء.

قال النسفيّ: وهذا الوعيد في حق المستحل للتخليد. وفي حق غيره، لبيان استحقاقه دخول النار مع وعد الله بمغفرته. انتهى.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٣١]]

إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (٣١)

إِنْ تَجْتَنِبُوا أي تتركوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ أي كبائر الذنوب التي نهاكم الشرع عنها، مما ذكر هاهنا ومما لم يذكر نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ أي صغائر ذنوبكم، ونمحها عنكم، وندخلكم الجنة. كما قال تعالى وَنُدْخِلْكُمْ في الآخرة مُدْخَلًا كَرِيماً أي حسنا وهي الجنة. و (مدخلا) قرئ بضم الميم، اسم مكان أو مصدر ميميّ. أي إدخالا مع كرامة. وبفتح الميم، وهو أيضا يحتمل المكان والمصدر. وفي الآية دليل على أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر. وردّ على من قال:

إن المعاصي كلها كبائر، وإنه لا صغيرة.

قال الإمام ابن القيّم في (الجواب الكافي) : قد دل القرآن والسنة وإجماع الصحابة، والتابعين بعدهم، والأئمة، على أن من الذنوب كبائر وصغائر. قال الله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ

. وقال تعالى: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ [النجم: ٣٢] .

وفي الصحيح «١» عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر

. وهذه الأعمال المكفرة لها ثلاث درجات: إحداها أن تقصر عن تكفير الصغائر لضعفها وضعف الإخلاص فيها والقيام بحقوقها. بمنزلة الدواء الضعيف الذي ينقص عن مقاومة الداء كمية وكيفية. الثانية- أن تقاوم الصغائر ولا ترتقي إلى تكفير شيء من الكبائر. الثالثة- أن تقوى على تكفير الصغائر وتبقي فيها قوة تكفر بها بعض الكبائر. فتأمل هذا فإنه يزيل عنك إشكالات كثيرة.


(١) أخرجه مسلم في: الطهارة، حديث ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>