للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تباشروهن. فيكون كناية عن الجماع. قال حماد بن سلمة البصريّ: يعني النكاح. وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس: الهجر هو أن لا يجامعها، ويضاجعها على فراشها، ويوليها ظهره. وكذا قال غير واحد. وزاد آخرون منهم السدّي والضحاك وعكرمة وابن عباس (في رواية) : ولا يكلمها مع ذلك ولا يحدثها. وقيل: المضاجع المبايت. أي لا تبايتوهن. وفي السنن والمسند «١» عن معاوية بن حيدة القشيريّ أنه قال: يا رسول الله: ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال. أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت. ولا تضرب الوجه، ولا تقبح. ولا تهجر إلا في البيت وَاضْرِبُوهُنَّ إن لم ينجع ما فعلتم من العظمة والهجران، ضربا غير مبرح، أي شديد ولا شاق. كما

ثبت في صحيح مسلم «٢» عن جابر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع: «واتقوا الله في النساء. فإنهن عوان عندكم. ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه. فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرّح» .

قال الفقهاء: هو أن لا يجرحها ولا يكسر لها عظما ولا يؤثر شينا ويجتنب الوجه لأنه مجمع المحاسن. ويكون مفرّقا على بدنها. ولا يوالي به في موضع واحد لئلا يعظم ضرره. ومنهم من قال: ينبغي أن يكون الضرب بمنديل ملفوف. أو بيده! لا بسوط ولا عصا. قال عطاء: ضرب بالسواك.

قال الرازيّ: وبالجملة، فالتخفيف مراعى في هذا الباب على أبلغ الوجوه.

والذي يدل عليه أنه تعالى ابتدأ بالوعظ. ثم ترقى منه إلى الهجران في المضاجع. ثم ترقى منه إلى الضرب. وذلك تنبيه يجري مجرى التصريح في أنه مهما حصل الغرض بالطريق الأخف، وجب الاكتفاء به، ولم يجز الإقدام على الطريق الأشق. وهذه طريقة من قال: حكم هذه الآية مشروع على الترتيب. فإن ظاهر اللفظ، وإن دل على الجمع، إلا أن فحوى الآية يدل على الترتيب.

قال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس: يهجرها في المضجع. فإن أقبلت وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضربا غير مبرح. ولا تكسر لها عظما. فإن أقبلت وإلا فقد أحل الله لك منها الفدية. وقال آخرون: هذا الترتيب مراعى عند خوف النشوز.

أما عند تحققه فلا بأس بالجمع بين الكل.


(١) أخرجه أبو داود في: النكاح، ٤١- باب حق المرأة على زوجها، حديث ٢١٤٢.
والمسند في ٥/ ٥.
(٢) أخرجه مسلم في: الحج، ١٩- باب حجة النبيّ صلى الله عليه وسلم، حديث ١٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>