للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً يأمر تعالى بعبادته وحده وبالإخلاص فيها بقوله وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً كما قال تعالى: وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة: ٥] . لأنه تعالى هو الخالق الرازق المنعم المتفضل على خلقه في جميع الأوقات والحالات. فهو المستحق منهم أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئا من الشرك. الجليّ والخفيّ. للنفس وشهواتها. وما يتوصل به إليها من المال والجاه.

وهذه العبادة حق الله علينا. كما

في الصحيحين «١» عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «يا معاذ! أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ قلت:

الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا» .

ثم أوصى سبحانه بالإحسان إلى الوالدين، إثر تصدير ما يتعلق بحقوق الله عز وجل التي هي آكد الحقوق وأعظمها، تنبيها على جلالة شأن الوالدين بنظمها في سلكها بقول وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وقد كثرت مواقع هذا النظم في التنزيل العزيز كقوله: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ [لقمان: ١٤] . وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً [الإسراء: ٢٣] . أي أحسنوا بهما إحسانا يفي بحق تربيتهما.

فإن شكرهما يدعو إلى شكر الله المقرب إليه. مع ما فيه من صلة أقرب الأقارب الموجب لوصلة الله، وقطعها لقطعه. ثم عطف، على الإحسان إليهما، الإحسان إلى القرابات من الرجال والنساء، بقوله وَبِذِي الْقُرْبى أي الأقارب.

وقد جاء في الحديث الصحيح عن سلمان بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصدقة على المسكين صدقة. وهي على ذي الرحم اثنتان: صلة وصدقة. رواه الإمام أحمد «٢» والترمذي والنسائيّ والحاكم وابن ماجة.

ثم قال تعالى وَالْيَتامى وذلك لأنهم فقدوا من يقوم بمصالحهم ومن ينفق عليهم فأمر الله بالإحسان إليهم والحنوّ عليهم، تنزلا لرحمته عز وجل وَالْمَساكِينِ وهم المحاويج الذين لا يجدون ما يقوم


(١)
أخرجه البخاري في: الجهاد، ٤٦- باب اسم الفرس والحمار، حديث ١٣٧١ ونصه: عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت ردف النبيّ صلى الله عليه وسلم على حمار، يقال له عفير، فقال «يا معاذ! هل تدري حق الله على عباده وما حق العباد على الله» ؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال «فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا» .
فقلت: يا رسول الله! أفلا أبشر به الناس؟ قال «لا تبشرهم فيتكلوا» .
وأخرجه مسلم في: الإيمان، حديث ٤٨- ٥١.
(٢) أخرجه في المسند ٤/ ٢١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>