للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه (الحسبة في الإسلام) :

وقد أمر الله تعالى في كتابه بطاعته وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر من المؤمنين.

وأولو الأمر أصحاب الأمر وذووه وهم الذين يأمرون الناس، وذلك يشترك فيه أهل اليد والقدرة وأهل العلم والكلام. فلهذا كان أولو الأمر صنفين: العلماء والأمراء. فإذا صلحوا صلح الناس، وإذا فسدوا فسد الناس. كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه «١» (للأحمسية لما سألته ما بقاؤنا على هذا الأمر) قال: ما استقامت لكم أئمتكم.

ويدخل فيهم الملوك والمشايخ وأهل الديوان وكل من كان متبوعا فإنه من أولي الأمر. وعلى كل واحد من هؤلاء أن يأمر بما أمر الله به وينهي عما نهى عنه. وعلى كل واحد ممن له عليه طاعة أن يطيعه في طاعة الله ولا يطيعه في معصية الله. كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه، حين تولى أمر المسلمين وخطبهم، فقال في خطبته: أيها الناس! القويّ فيكم الضعيف عندي حتى آخذ منه الحق، والضعيف فيكم القويّ عندي حتى آخذ له الحق. أطيعوني ما أطعت الله. فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم فَإِنْ تَنازَعْتُمْ أي اختلفتم أنتم وأولو الأمر فِي شَيْءٍ من الأحكام فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ أي فارجعوا فيه إلى كتابه وَالرَّسُولِ بالسؤال منه في زمانه صلى الله عليه وسلم والرجوع إلى سننه بعده لا إلى ما تهوون ولا إلى ما يهواه الحكام إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ الواضع لشرائع العدل وَالْيَوْمِ الْآخِرِ الذي يجازى فيه الموافق والمخالف لتلك الشرائع ذلِكَ أي الرد إلى كتاب الله وسنة الرسول، والرجوع إليهما فصل النزاع خَيْرٌ أي لكم ولحكامكم وأصلح وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا أي عاقبة ومآلا، كما قاله السدّيّ وغير واحد. وقال مجاهد: وأحسن جزاء. وهو قريب.


(١) أخرجه الدارميّ في مسنده: المقدمة، ٢٣- باب في كراهية أخذ الرأي. ونصه: عن أبي زرعة بن عمرو عن حية بنت أبي حية قالت: دخل علينا رجل بالظهيرة. فقلت: يا عبد الله: من أين أقبلت؟ قال: أقبلت أنا وصاحب لي في بغاء لنا. فانطلق صاحبي يبغي ودخلت أنا أستظل بالظل وأشرب من الشراب.
فقمت إلى لبينة حامضة فسقيته منها فشرب وشربت.
قالت وتوسمته فقلت: يا عبد الله! من أنت؟ فقال: أنا أبو بكر. فقلت: أنت أبو بكر، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سمعت به؟ قال: نعم.
قالت فذكرت غزونا خثعما وغزوة بعضنا بعضا في الجاهلية وما جاء الله به من الألفة وأطناب الفساطيط. فقلت: يا عبد الله! حتى متى ترى أمر الناس هذا؟ قال: ما استقامت الأئمة. قلت: ما الأئمة؟ قال: أما رأيت السيّد يكون في الحواء (بيوت مجتمعة على الماء) فيتبعونه ويطيعونه؟
فما استقام أولئك.

<<  <  ج: ص:  >  >>