للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نزول هذه الآية. ثم ساق ما قدمناه وقال: الآية أعم من ذلك كله. فإنها ذامّة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل. وهو المراد ب (الطاغوت) هاهنا، وأعرضوا كالمستكبرين كما قال تعالى عن المشركين وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا [البقرة: ١٧٠] ، وهؤلاء بخلاف المؤمنين الذين قال الله فيهم إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا ... [النور: ٥١] ، الآية.

الثاني- قال القاضي: يجب أن يكون التحاكم إلى هذا الطاغوت كالكفر.

وعدم الرضا بحكم محمد صلى الله عليه وسلم كفر. ويدل عليه وجوه: الأول- أنه تعالى قال يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ فجعل التحاكم إلى الطاغوت يكون إيمانا به. ولا شك أن الإيمان بالطاغوت كفر بالله. كما أن الكفر بالطاغوت إيمان بالله. الثاني- قوله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ... إلى قوله: وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء: ٦٥] ، وهذا نص في تكفير من لم يرض بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم.

الثالث- قوله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [النور: ٦٣] ، وهذا يدل على أن مخالفته معصية عظيمة.

وفي هذه الآيات دلائل على أن من رد شيئا من أوامر الله أو أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم فهو خارج عن الإسلام. سواء رده من جهة الشك أو من جهة التمرد. وذلك يوجب صحة ما ذهبت الصحابة إليه من الحكم بارتداد مانعي الزكاة وقتلهم وسبي ذراريّهم. نقله الرازي.

الرابع- قال بعض المفسرين: في هذه الآية وجوب الرضا بقضاء الله سبحانه.

والرضا بما شرعه. وتدل على أنه لا يجوز التحاكم إلى غير شريعة الإسلام.

قال الحاكم: وتدل على أن من لم يرض بحكمه كفر. وما ورد من فعل عمر وقتله المنافق يدل على أن دمه هدر. لا قصاص فيه ولا دية.

وهاهنا فرع. وهو أن يقال: إذا تحاكم رجلان في أمر فرضي أحدهما بحكم المسلمين وأبى الثاني. وطلب المحاكمة إلى حاكم الملاحدة. فإنه يكفر. لأن في ذلك رضا بشعار الكفرة. انتهى.

الخامس- في قوله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا دقيقة بديعة. قال أبو السعود: الاقتصار في معرض التعجب والاستقباح على ذكر إرادة التحاكم، دون

<<  <  ج: ص:  >  >>