للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد أن خرجوا. كما تقدم في آل عمران. كما أوضحه الشيخان «١» والإمام أحمد والترمذيّ عن زيد بن ثابت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد. فرجع ناس خرجوا معه. فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين: فرقة تقول: نقتلهم. وفرقة تقول:

لا. هم المؤمنون. فأنزل الله: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إنها طيبة وإنها تنفي الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد. هذا لفظ أحمد.

وقد ذكر الإمام محمد بن إسحاق في وقعة أحد: أن عبد الله بن أبيّ، ابن سلول رجع يومئذ بثلث الجيش: رجع بثلاثمائة وبقي النبيّ صلى الله عليه وسلم في سبعمائة.

وثمة في نزول الآية رواية أخرى أخرجها الإمام أحمد «٢» في مسنده عن عبد الرحمن بن عوف: أن قوما من العرب أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فأسلموا وأصابهم وباء المدينة وحمّاها. فأركسوا. فخرجوا من المدينة. فاستقبلهم نفر من أصحابه.

يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم. فقالوا لهم: ما لكم رجعتم؟ قالوا: أصابنا وباء المدينة. فقالوا: أما لكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة؟ فقال بعضهم: نافقوا. وقال بعضهم: لم ينافقوا. فأنزل الله: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ ... الآية. وهذه الرواية هي الأقرب لنظم الآية كما سنبينه في التنبيه الثاني وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ أي نكّسهم وردهم إلى الكفر بِما كَسَبُوا أي: بسبب ما كسبوه من لحوقهم بالكفار أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ أي: تعدّوهم من جملة المهتدين. قال أبو السعود: تجريد للخطاب وتخصيص له بالقائلين بإيمانهم من الفئتين، وتوبيخ لهم على زعمهم ذلك، وإشعار بأنه يؤدي إلى محاولة المحال الذي هو هداية من أضله الله تعالى. وذلك لأن الحكم بإيمانهم وادعاء اهتدائهم، وهم بمعزل عن ذلك، سعي في هدايتهم وإرادة لها.

ووضع الموصول موضع ضمير المنافقين لتشديد الإنكار وتأكيد استحالة الهداية بما


(١) أخرجه البخاريّ في: التفسير، ٤- سورة النساء، ١٥- باب فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ، حديث ٩٥٦.
والإمام أحمد في المسند ٥/ ١٨٤.
(٢) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ١/ ١٩٢، ونصه: عن عبد الرحمن بن عوف أن قوما من العرب أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأسلموا. وأصابهم وباء المدينة: حمّاها. فأركسوا فخرجوا من المدينة فاستقبلهم نفر من أصحابه (يعني أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم) فقالوا لهم: ما لكم رجعتم؟ قالوا:
أصابنا وباء المدينة فاجتوينا المدينة. فقالوا: أما لكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة؟ فقال بعضهم:
نافقوا. وقال بعضهم: لم ينافقوا هم مسلمون. فأنزل الله عز وجل: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا ... الآية.

<<  <  ج: ص:  >  >>