للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني- قال الرازيّ: قال الأكثرون: في الآية دلالة على أنهم إذا اعتزلوا قتالنا وطلبوا الصلح منا وكفوا أيديهم عن إيذائنا، لم يجز لنا قتالهم ولا قتلهم. ونظيره قوله تعالى: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ [الممتحنة: ٨] . وقوله تعالى: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ [البقرة: ١٩٠] . فخص الأمر بالقتال لمن يقاتلنا دون من لم يقاتلنا.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٩٢]]

وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (٩٢)

وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً أي ما جاز ولا صح ولا لاق لمؤمن قتل أخيه المؤمن. فإن الإيمان زاجر عن ذلك. إلا على وجه الخطأ. فإنه ربما يقع لعدم دخول الاحتراز عنه بالكلية تحت الطاقة البشرية. قال الزمخشريّ: فإن قلت: بم انتصب خطأ؟ قلت: بأنه مفعول له. أي: ما ينبغي له أن يقتله لعلة من العلل إلا للخطأ وحده. ويجوز أن يكون حالا. بمعنى لا يقتله في حال من الأحوال إلا في حال الخطأ. وأن يكون صفة للمصدر: إلا قتلا خطأ. والمعنى: إن من شأن المؤمن أن ينتفي عنه وجود قتل المؤمن ابتداء، البتة. إلا إذا وجد منه خطأ من غير قصد. بأن يرمي كافرا فيصيب مسلما. أو يرمي شخصا على أنه كافر فإذا هو مسلم. انتهى.

وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً أي: بما ذكرنا. فهو، وإن عفي عنه، لكنه لا يخلو عن تقصير في حق الله، ولا يهدر دم المؤمن بالكلية فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ أي: فالواجب عليه، لحق الله، إعتاق نفس محكوم عليها بالإيمان، ولو صغيرة. ليعتق الله عنه بكل جزء منها جزءا منه من النار.

وقد روى الإمام أحمد «١» عن عبد الرزاق، عن معمر، عن


(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٣/ ٤٥١.
وأخرجه في الموطأ في: العتق والولاء، حديث ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>