للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مر من الأمر به وتحريض المؤمنين عليه، ليأنف القاعد عنه ويترفع بنفسه عن انحطاط رتبته، فيهتزّ له رغبة في ارتفاع طبقته. قاله أبو السعود. وأصله للزمخشريّ حيث قال: فإن قلت: معلوم أن القاعد بغير عذر والمجاهد لا يستويان. فما فائدة نفي الاستواء؟ قلت: معناه الإذكار بما بينهما من التفاوت العظيم والبون البعيد. ليأنف القاعد ويترفع بنفسه عن انحطاط منزلته، فيهتز للجهاد ويرغب فيه، وفي ارتفاع طبقته. ونحوه: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر: ٩] . أريد به التحريك من حمية الجاهل وأنفته ليهاب به إلى التعلّم ولينهض بنفسه عن صفة الجهل إلى شرف العلم. انتهى.

والمراد بهم، وقت النزول، القاعدون عن غزوة بدر والخارجون إليها. كما رواه البخاريّ «١» والترمذيّ عن ابن عباس. وقوله: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ، مخرج لذوي الأعذار المبيحة لترك الجهاد: من العمى والعرج والمرض، عن مساواتهم للقاعدين.

فإنهم مساوون المجاهدين بالنية. ولا يعتد بزيادة أجر العمل لهم لعظم أمر النية.

كما

روى الإمام أحمد والبخاريّ «٢» وأبو داود عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن بالمدينة أقواما ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه. قالوا: وهم بالمدينة؟ يا رسول الله! قال: نعم. حبسهم العذر.

وفي هذا المعنى قال الشاعر:

يا راحلين إلى البيت العتيق لقد ... سرتم جسوما، وسرنا نحن أرواحا

إنا أقمنا على عذر وعن قدر ... ومن أقام على عذر كمن راحا

وروى البخاريّ «٣» عن البراء قال: لما نزلت: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا فكتبها. فجاء ابن أم مكتوم فشكا ضرارته.

فأنزل الله: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ

وفي رواية للبخاريّ «٤» عن زيد: فجاءه ابن أم مكتوم وهو يمليها عليّ. قال: يا رسول الله! والله! لو أستطيع الجهاد لجاهدت. وكان


(١) أخرجه البخاريّ في: التفسير، ٤- سورة النساء، ١٨- باب لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، حديث ١٨٤١.
(٢) أخرجه البخاريّ في: الجهاد، ٣٥- باب من حبسه العذر عن العدوّ، حديث ١٣٦٠.
(٣) أخرجه البخاريّ في: التفسير، ٤- سورة النساء، ١٨- باب لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، حديث ١٣٥٦.
(٤) أخرجه البخاريّ في: التفسير، ٤- سورة النساء، ١٨- باب لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، حديث ١٣٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>