للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حيلتهم. والهجرة إنما تجب على من له حيلة. انتهى.

وقال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : الهجرة الترك. والهجرة إلى الشيء الانتقال إليه عن غيره. وفي الشرع: ترك ما نهى الله عنه. وقد وقعت في الإسلام على وجهين:

الأول- الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن. كما في هجرتي الحبشة وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة. الثاني- الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان. وذلك بعد أن استقرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة. وهاجر إليه من أمكنه ذلك من المسلمين. وكانت الهجرة، إذ ذاك، تختص بالانتقال إلى المدينة. إلى أن فتحت مكة فانقطع الاختصاص. وبقي عموم الانتقال من دار الكفر، لمن قدر عليه، باقيا. انتهى.

وقد أفصح ابن عمر بالمراد. فيما أخرجه الإسماعيليّ بلفظ: انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار. أي: ما دام في الدنيا دار كفر، فالهجرة واجبة منها على من أسلم وخشي أن يفتن على دينه. وقد روي في معنى الآية أحاديث كثيرة. أخرجها مجد الدين بن تيمية في (منتقى الأخبار) في ترجمة (باب بقاء الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام، وأن لا هجرة من دار أسلم أهلها) ثم قال:

عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «١» : من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله. رواه أبو داود.

وعن جرير بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «٢» بعث سرية إلى خثعم فاعتصم ناس منهم بالسجود. فأسرع فيهم القتل. فبلغ النبيّ صلى الله عليه وسلم. فأمر لهم بنصف العقل، وقال: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين. قالوا: يا رسول الله! لم؟ قال: لا تراءى ناراهما. رواه أبو داود والترمذيّ.

وعن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة.

ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها. رواه أحمد «٣» وأبو داود «٤» .

وعن عبد الله بن السعديّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «٥» : لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدوّ. رواه


(١) أخرجه أبو داود في: الجهاد، ١٧٠- باب في الإقامة بأرض الشرك حديث ٢٧٨٧.
(٢) أخرجه أبو داود في: الجهاد، ٩٥- باب النهي عن قتل من اعتصم بالسجود، حديث ٢٦٤٥.
(٣)
أخرجه في المسند ص ٩٩ ج ٤ ونصه: عن أبي هند البجليّ قال: كنا عند معاوية، هو على سريره وقد اغمض عينيه. فتذاكرنا الهجرة. والقائل منا يقول: قد انقطعت. والقائل منا يقول: لم تنقطع. فاستنبه معاوية. فقال: ما كنتم فيه؟ فأخبرناه. وكان قليل السرد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. فقال:
تذاكرنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة. ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها»
. (٤) وأخرجه أبو داود في: الجهاد، ٢- باب في الهجرة هل انقطعت؟، حديث ٢٤٧٩.
(٥) أخرجه في المسند ٥/ ٢٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>