للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ أي مقتضى إيمانكم المبالغة والاجتهاد في القيام بالعدل والاستقامة. إذ به انتظام أمر الدارين الموجب لثوابهما.

ومن أشده القيام بالشهادة على وجهها. فكونوا شُهَداءَ لِلَّهِ أي: مقيمين للشهادة بالحق، مؤدين لها لوجهه تعالى، ولو كانت الشهادة عَلى أَنْفُسِكُمْ فاشهدوا عليها بأن تقروا بالحق عليها ولا تكتموه أَوِ على الْوالِدَيْنِ أي الأصول وَالْأَقْرَبِينَ أي الأولاد والإخوة وغيرهم. فلا تراعهم فيها بل اشهد بالحق وإن عاد ضررها عليهم.

فإن الحق حاكم على كل أحد إِنْ يَكُنْ أي: من تشهدون عليه غَنِيًّا يبتغي في العادة رضاه ويتقي سخطه أَوْ فَقِيراً يترحم عليه غالبا. أو يخاف من الشهادة عليه أن يلجئ الأمر إلى أن يعطي ما يكفيه فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما أي: من المشهود عليه، واعلم بما فيه صلاحهما. فلولا أن الشهادة عليهما مصلحة لهما لما شرعها. لأن أنظر لعباده من كل ناظر فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا أي: إرادة العدول عن أمر الله الذي هو مصلح أموركم، وأمور المشهود عليهم، لو نظرتم ونظروا إليه.

قال ابن كثير: أي: لا يحملنكم الهوى والعصبية وبغض الناس إليكم، على ترك العدل في شؤونكم. بل الزموا العدل على أي حال كان. كما قال تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا، اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى [المائدة: ٨] ومن هذا قول عبد الله بن رواحة «١» ، لما بعثه النبيّ صلى الله عليه وسلم يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزروعهم، فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم، فقال: والله! لقد جئتكم من عند أحب الخلق إليّ. ولأنتم أبغض إليّ من أعدائكم من القردة والخنازير. وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم. فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض وَإِنْ تَلْوُوا أي: تحرفوا ألسنتكم عن الشهادة على وجهها أَوْ تُعْرِضُوا أي: عنها بكتمها فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً فيجازيكم على ذلك. قال تعالى: وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة: ٢٨٣] .


(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٣/ ٣٦٧، ونصه: عن جابر بن عبد الله أنه قال: أفاء الله عز وجل خيبر على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأقرّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كانوا. وجعلها بينه وبينهم. فبعث عبد الله ابن رواحة فخرصها عليهم. ثم قال لهم: يا معشر اليهود! أنتم أبغض الخلق إليّ. قتلتم أنبياء الله عز وجل، وكذبتم على الله. وليس يحملني بغضي إياكم على أن أحيف عليكم. قد خرصت عشرين ألف وسق من تمر. فإن شئتم فلكم، وإن أبيتم فلي. فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض. قد أخذنا فاخرجوا عنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>