للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رواية: هو الضيف المحول رحله. فإنه يجهر لصاحبه بالسوء من القول.

قال ابن كثير: وقد روى الجماعة (سوى النسائيّ والترمذيّ) عن عقبة بن عامر «١» قال: قلنا: يا رسول الله! إنك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقروننا فما ترى؟ فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف، فاقبلوا. فإن لم يفعلوا، فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم.

وروى الإمام أحمد «٢» عن المقدام أبي كريمة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: أيما مسلم ضاف قوما فأصبح الضيف محروما، فإن حقا على كل مسلم نصره حتى يأخذ بقرى ليلته من زرعه وماله.

وروى هو وأبو داود «٣» عنه أيضا. سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليلة الضيف واجبة على كل مسلم.

فإن أصبح بفنائه محروما كان دينا عليه. فإن شاء اقتضاه وإن شاء تركه

. ومن هذا القبيل

الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار عن أبي هريرة أن رجلا أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي جارا يؤذيني. فقال له: أخرج متاعك فضعه على الطريق. فأخذ الرجل متاعه فطرحه على الطريق. فكل من مرّ به قال: ما لك؟ قال جاري يؤذيني.

فيقول: اللهم! العنه. اللهم! أخزه. قال فقال الرجل: ارجع إلى منزلك. والله! لا أوذيك أبدا. ورواه أبو داود «٤» في كتاب الأدب.

وقال عبد الكريم بن مالك الجزريّ، في هذه الآية. هو الرجل يشتمك فتشتمه. ولكن إن افترى عليك فلا تفتر عليه. لقوله تعالى وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ [الشورى: ٤١] . وقال قطرب: معنى الآية: إلا من أكره على أن يجهر بسوء من القول، من كفر أو نحوه. فهو مباح له. وسئل المرتضى عنها فقال: لا يحب الله ذلك ولا يجيزه لفاعله. إلا من ظلم. وذلك مثل ما كان من مردة قريش وفعلهم بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من العقاب والضرب، ليشتموا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتبرءوا منه. ففعل ذلك عمار. فخلّوه وصلبوا صاحبه. فأطلق لمن فعل به هكذا أن يتكلم بما ليس في قلبه. وفي عمار وصاحبه نزل قول الله في سورة النحل: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [النحل: ١٠٦] . فكانت هذه الآية مبينة لما في قلب عمار من شحنه بالإيمان. انتهى.


(١) أخرجه البخاريّ في: الأدب، ٨٥- باب إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه، حديث ١٢١٣. [.....]
(٢) أخرجه في المسند ١/ ٤٥٤.
(٣) أخرجه في المسند ٤/ ١٣٠.
(٤) أخرجه أبو داود في: الأدب، ١٢٣- باب في حق الجوار، حديث ٥١٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>