للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فظلمته؟ فقال له: العفو أقرب للتقوى. فقال: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ.

وقال المتنبي:

من الحلم أن تستعمل الجهل دونه ... إذا اتّسعت في الحلم طرق المظالم

[لطيفة:]

الاستثناء في قوله تعالى إِلَّا مَنْ ظُلِمَ إما متصل أو منقطع. فعلى الأول فيه وجهان: الأول- قول أبي عبيدة: هذا من باب حذف المضاف، أي: إلا جهر من ظلم. فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. والثاني- قول الزجاج: المصدر هاهنا بمعنى الفاعل. أي: لا يحب الله المجاهر بالسوء إلا من ظلم. وعلى أنه منقطع، فالمعنى لكن المظلوم له أن يجهر بظلامته.

وقوله تعالى: وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً فيه وعد للمظلوم بأنه تعالى يسمع شكواه ودعاءه ويعلم ظلم ظالمه. كما قال تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ [إبراهيم: ٤٢] . ووعيد له أيضا بأن يتعدّى في الجهر المأذون فيه.

بل ليقل الحق ولا يقذف بريئا بسوء فإنه يصير عاصيا لله بذلك. ثم حث سبحانه على العفو بعد ما جوّز الجهر بالسوء وجعله محبوبا، حثّا على الأحب إليه والأفضل عنده. وإلا دخل في الكرم والتخشع والعبودية، فقال سبحانه:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٤٩]]

إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (١٤٩)

إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أي: طاعة وبرّا أَوْ تُخْفُوهُ أي: تعملوه سرّا أَوْ تَعْفُوا أي: تتجاوزوا عَنْ سُوءٍ أي: ظلم فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً أي: يعفو عن الجانين مع قدرته على الانتقام. فعليكم أن تقتدوا بسنة الله بالعفو مع القدرة. فثمرة هذه الآية الحث على العفو، وأن لا يجهر أحد لأحد بسوء، وإن كان على وجه الانتصار، حملا على مكارم الأخلاق. وإنما كان المقصود العفو لأن ما قبلها في ذكر السوء والجهر به. فمقتضى السياق: لا يحب الله الجهر بالسوء إلا من ظلم. فإن عفا المظلوم عنه، ولم يدع على ظالمه ويتظلم منه، فإن الله عفوّ قدير. وإنما ذكر قبله إبداء الخير وإخفاءه توطئة للعفو عن السوء. لأنه يعلم من مدح حالي الخير: السر والعلانية، أن السوء ليس كذلك جهرا وإخفاء. فينبغي العفو عنه وتركه. وإنما عطف

<<  <  ج: ص:  >  >>