للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٥٣]]

يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (١٥٣)

يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ قال ابن عباس: كعب وأصحابه أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ أي: كما نزلت التوراة على موسى جملة في الألواح. مع أنه لا حاجة لهم إلى طلب ذلك بعد ما وضحت البراهين على نبوتك، لا سيما بإعجاز ما نزل عليك من الفرقان. إلا أن الذي حملهم على سؤالهم هو التعنت والكفر. كما قال قبلهم كفار قريش نظير ذلك: وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ...

[الإسراء: ٩٠] الآيات. ولهذا قال تعالى: فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ أي: مما سألوك فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً أي: رؤية ظاهرة فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ أي النار النازلة من السماء بِظُلْمِهِمْ أي: جراءتهم على الله وعتوّهم وعنادهم. إذ لا يرون آية إلا يطلبون أكبر منها. حتى يروا آية ملجئة إلى الإيمان. بحيث لا يفيد الإيمان معها.

فلا يكادون يؤمنون إيمانا يفيدهم أصلا، ولا يبعد منهم الكفر، بعد رؤية الآيات.

فإنهم رأوا آيات موسى ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ أي: إلها وعبدوه مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ أي: الدلائل القاطعة على نفي الشرك. ثم تابوا عنه فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ أي:

تركناهم ولم نستأصلهم وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً أي: حجة بينة وتسلطا ظاهرا على إهلاك من خالفه. وفي ذلك بشارة للنبيّ صلى الله عليه وسلم بنصره، وإن بالغوا في العناد والإلحاد. ثم أشار إلى أنهم مع رؤيتهم الآيات، لم ينقادوا لأوامر موسى. كما قال تعالى:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٥٤]]

وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (١٥٤)

وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ أي: الجبل ليتحملوا التكليف بِمِيثاقِهِمْ أي:

بسبب أخذ ميثاقهم. ليخافوا فلا ينقضوه.

قال ابن كثير: وذلك حين امتنعوا من الالتزام بأحكام التوراة، وظهر منهم إباء على ما جاءهم به موسى عليه السلام، رفع الله على رؤوسهم جبلا. ثم ألزموا

<<  <  ج: ص:  >  >>