للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرسالة تركيب من الوراثتين. لبسوا حق ورثة الأنبياء بباطل ورثة أتباع الصابئة. كما كان في مذهب أهل الكلام المحض المبتدع كالمعتزلة، تركيب. وليس بين الأثارة النبوية وبين الأثارة الصابئة. لكن أولئك أشد اتباعا للأثارة النبوية، وأقرب إلى مذاهب أهل السنة، من المعتزلة ونحوهم، من وجوه كثيرة. ولهذا وافقهم في بعض ما ابتدعوه كثير من أهل الفقه والحديث والتصوف، لوجوه: أحدها- كثرة الحق الذي يقولونه وظهور الأثارة النبوية عندهم. الثاني- لبسهم ذلك بمقاييس عقلية بعضهما موروث عن الصابئة وبعضها مما ابتدع في الإسلام. واستيلاء ما في ذلك من الشبهات عليهم. وظنهم أنه لم يكن التمسك بالأثارة النبوية من أهل العقل والعلم إلا على هذا الوجه. الثالث- ضعف الأثارة النبوية الدافعة لهذه الشبهات والموضحة لسبيل الهدى عندهم. الرابع- العجز والتفريط الواقع في المنتسبين إلى السنة والحديث. تارة يرون ما يعلمون صحته. وتارة يكونون كالأميين الذين لا يعلمون الكتاب إلا أمانيّ، ويعرضون عن بيان دلالة الكتاب والسنة على حقائق الأمور. فلما كان هذا منهاجهم، وقالوا: إن القرآن غير مخلوق، لما دل على ذلك من النصوص وإجماع السلف. ولمّا رأوا أنه مستقيم على الأصل الذي قرروه في الصفات، ورأوا أن التوفيق بين النصوص النبوية السمعية، وبين القياس العقليّ، لا يستقيم إلا أن يجعلوا القرآن معنى قائما بنفس الله تعالى كسائر الصفات. كما جعله الأوّلون من باب المصنوعات المخلوقات، لا قديما كسائر الصفات. ورأوا أنه ليس إلا مخلوقا أو قديما، فإن إثبات قسم ثالث قائم بالله يقتضي حلول الحوادث بذاته، وهو دليل على حدوث الموصوف، ويبطل لدلالة حدوث العالم، ثم رأوا أنه لا يجوز أن يكون معاني كثيرة، بل إما معنى واحدا عند طائفة، أو معاني أربعة عند طائفة، ولتزموا على هذا أن حقيقة الكلام هي المعنى القائم بالنفس، وأن الحروف والأصوات ليست من حقيقة الكلام، بل دالة عليه. فتسمى باسمه إما مجازا عند طائفة أو حقيقة بطريق الاشتراك عند طائفة. وإما مجازا في كلام الله، حقيقة في غيره عند طائفة. وخالفهم الأولون وبعض من يستنن أيضا، وقالوا: لا حقيقة للكلام إلا الحروف والأصوات، وليس وراء ذلك معنى إلا العلم ونوعه، أو الإرادة ونوعها. فصار النزاع بين الطائفتين.

وادعى هؤلاء أن الأمر والنهي والخبر صفات للكلام إضافية. ليست أنواعا له وأقساما.

وأن كلام الله معنى واحد. إن عبر عنه بالعربية فهو قرآن. وبالعبرية فهو توراة.

وبالسريانية فهو إنجيل. وقال لهم أكثر الناس: هذا معلوم الفساد بالضرورة. كما قال الأولون: إنه خلق الكلام في الهواء فصار متكلما به. وإن المتكلم من أحدث الكلام

<<  <  ج: ص:  >  >>