للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمرا خيرا لكم من تقليد المعاندين وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي:

فهو قادر على تعذيبكم لعظم ملكوته، أو فهو غنيّ عنكم لا يتضرر بكفركم كما لا ينتفع بإيمانكم. كما قال تعالى: إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ [إبراهيم: ٨] ، وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً في صنعه. ولما أجاب تعالى عن شبهات اليهود وألزمهم الحجة، جرّد الخطاب للنصارى، زجرا لهم عما هم عليه من الكفر والضلال. فقال سبحانه:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٧١]]

يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (١٧١)

يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ أي: بالإفراط في رفع شأن عيسى عليه السلام وادعاء ألوهيته. فإنه تجاوز فوق المنزلة التي أوتيها. وهي الرسالة. واستفيد حرمة الغلو في الدين وهو مجاوزة الحد.

وفي الصحيح «١» عن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده، فقولوا:

عبد الله ورسوله.

وقال الإمام أحمد «٢» : حدثنا حسن بن موسى، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البنانيّ، عن أنس بن مالك أن رجلا قال: يا محمد! يا سيدنا وابن سيدنا! وخيرنا وابن خيرنا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس! عليكم بقولكم ولا يستهوينّكم الشيطان. أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله. والله! ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل.

قال ابن كثير: تفرد به من هذا الوجه. وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ أي: لا تصفوه بما يستحيل اتصافه به من الحلول والاتحاد واتخاذ الصاحبة والولد. بل نزهوه عن جميع ذلك إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صفة له مفيدة لبطلان ما وصفوه به من كونه ابنا لله تعالى رَسُولُ اللَّهِ خبر المبتدأ أعني المسيح. أي: مقصود على


(١) أخرجه البخاريّ في: الأنبياء، ٤٨- باب وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ، حديث ١٢١٤.
(٢) قال الأستاذ أحمد محمد شاكر في (عمدة التفسير) : إنه الحديث رقم ١٢٥٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>