للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي (اللباب) : أجمعوا على أن المراد طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ذبائحهم خاصة. لأن ما سوى الذبائح فهي محللة قبل أن كانت لأهل الكتاب وبعد أن صارت لهم. فلا يبقى لتخصيصها بأهل الكتاب فائدة. ولأنّ ما قبل هذه الآية في بيان حكم الصيد والذبائح. فحمل هذه الآية عليه أولى. لأن سائر الطعام لا يختلف، من تولّاه من كتابيّ أو غيره. وإنما تختلف الذكاة. فلما خص أهل الكتاب بالذكر، دلّ على أن المراد بطعامهم ذبائحهم. انتهى.

الثاني: استدل بالآية على جميع أجزاء ذبائحهم. وهو قول الجمهور.

قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : وعن مالك وأحمد، تحريم ما حرم الله على أهل الكتاب كالشحوم. قال ابن القاسم: لأن الذي أباحه الله طعامهم. وليس الشحوم من طعامهم. ولا يقصدونها عند الذكاة. وتعقب بأن ابن عباس فسّر (طعامهم) بذبائحهم، وإذا أبيحت ذبائحهم لم يحتج إلى قصدهم أجزاء المذبوح. والتذكية لا تقع على بعض أجزاء المذبوح دون بعض. وإن كانت التذكية شائعة في جميعها دخل الشحم لا محالة. وأيضا فإن الله تعالى نص بأنه حرم عليهم كل ذي ظفر. فكان يلزم، على قول هذا القائل، إن اليهوديّ، إذا ذبح ماله ظفر، لا يحل للمسلم أكله. ثم قال ابن حجر: وقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ يستدل به على الحلّ، لأنه لم يخص لحما من شحم، وكون الشحوم محرمة على أهل الكتاب لا يضر، لأنها محرمة عليهم لا علينا. وغايته بعد أن يتقرر أن ذبائحهم لنا حلال، أنّ الذي حرم عليهم منها مسكوت في شرعنا عن تحريمه علينا. فيكون على أصل الإباحة. انتهى.

وفي (الصحيح) «١» عن عبد الله بن مغفّل رضي الله عنه قال: «كنا محاصرين قصر خيبر. فرمى إنسان بجراب فيه شحم. فنزوت لآخذه. فالتفّت فإذا النبيّ صلى الله عليه وسلم فاستحييت منه» .

وفي رواية: «أدلي بجراب من شحم يوم خيبر. فحضنته وقلت: لا أعطي اليوم من هذا أحدا. والتفتّ فإذا النبيّ صلى الله عليه وسلم يتبسّم» .

قال الحافظ ابن حجر: فيه حجة على من منع ما حرّم عليهم كالشحوم. لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم أقرّ ابن مغفل على الانتفاع بالجراب المذكور. وفيه جواز أكل الشحم، مما ذبحه أهل الكتاب، ولو كانوا أهل حرب. انتهى.


(١) أخرجه البخاري في: الذبائح والصيد، ٢٢- باب ذبائح أهل الكتاب وشحومها من أهل الحرب وغيرهم، حديث ١٤٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>