للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الدهلويّ في (الفوز الكبير) : إن الله عزّ وجلّ شرف الأنبياء وتابعيهم في كل ملّة بلقب المقرب والمحبوب. وذم الذين ينكرون الملّة بصفة المبغوضية. وقد وقع التكلم في هذا الباب بلفظ شائع في كل قوم، فلا عجب أن يكون قد ذكر الأبناء مقام المحبوبين، فظنّ اليهود أن ذلك التشريف دائر مع اسم اليهودىّ والعبريّ والإسرائيليّ. ولم يعلموا أنه دائر على صفة الانقياد والخضوع وتمشية ما أراد الحقّ سبحانه ببعثة الأنبياء لا غير. وكان ارتكز من هذا القبيل في خاطرهم كثير من التأويلات الفاسدة المأخوذة من آبائهم وأجدادهم، فأزال القرآن هذه الشبهات على وجه أتمّ. انتهى.

قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ أي: لو كنتم أبناءه وأحبّاءه لما عذبكم، لكن اللازم منتف إذ عذبكم في الدنيا بالقتل والأسر والمسخ، واعترفتم بأنه سيعذبكم بالنار أياما معدودة.

[لطيفة:]

قال بعض شيوخ الصوفية لبعض الفقهاء: أين تجد في القرآن أن الحبيب لا يعذب حبيبه؟ فلم يردّ عليه، فتلا عليه الصوفيّ هذه الآية: قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ. وهذا الذي قاله حسن. وله شاهد

في (المسند) للإمام أحمد «١» حيث قال: حدثنا ابن أبي عدّي. عن حميد، عن أنس قال: «مرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه، وصبيّ في الطريق. فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ فأقبلت تسعى وتقول: ابني ابني! وسعت فأخذته، فقال القوم: يا رسول الله! ما كانت هذه لتلقي ولدها في النار، قال: فخفضهم النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: لا، ولا يلقي الله حبيبه في النار»

. قال ابن كثير: تفرد به أحمد. انتهى.

وقال السمرقنديّ: في الآية دليل أن الله تعالى إذا أحبّ عبده يغفر ذنوبه ولا يعذبه بذنوبه. لأنه تعالى احتج عليهم فقال: فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ لو كنتم أحباء إليه؟

وقد قال في آية أخرى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ. [البقرة:

٢٢٢] ، ففيها دليل أنه لا يعذب التوابين بذنوبهم، ولا المجاهدين الذين يجاهدون في سبيل الله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ [الصف: ٤] .

وقوله تعالى: بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ عطف على مقدر ينسحب عليه الكلام، أي:


(١) أخرجه في المسند ٣/ ١٠٤ و ٢٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>