للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك تكرير الوعد والوعيد، وكذلك تكرير ذكر الأحكام، وكذلك تكرير المدح والذم، وما يترتب على المأمورات والمنهيات من المؤكدات المذكورات.

فتكرير الوعد يدل على الاهتمام بفعل الطاعات ترغيبا في ثوابها. وتكرير الوعيد يدلّ على الاهتمام بترك المخالفات ترهيبا من عقابها. وتكرير القرآن بين الوعد والوعيد يدلّ على الاهتمام بوقوف العباد بين الخوف والرجاء، فلا يقنطوا من رحمة الله وأفضاله، ولا يغترّوا بحلمه وإمهاله. وتكرير الأحكام يدلّ على الاعتناء بفعل الطاعات واجتناب المخالفات. وتكرير الأمثال يدلّ على الإيضاح والبيان. وتكرير تذكير النعم يدلّ على الاعتناء بشكرها.

واعلم أنه لا تؤكد العرب إلا ما تهتم به، فإن من اهتم بشيء أكثر ذكره. وكلما عظم الاهتمام كثر التأكيد. وكلما خفّ، خفّ التأكيد. وإن توسط الاهتمام، توسط التأكيد. فإذا قال القائل: زيد قائم، فقد أخبر بقيامه. فإن أراد تأكيد ذلك، عند من شك فيه، أو يكذبه، أو ينازعه فيه، أكّده فقال: إن زيدا قائم. فإذا جاء ب (إن) فكأنه قال: زيد قائم، زيد قائم. فإن زاد في التأكيد قال: إن زيدا لقائم، فيصير بمثابة ما لو قال: زيد قائم، ثلاث مرات.

أمثلة ذلك: قوله: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ [الكافرون: ١- ٤] ، تأكيد لقوله تعالى: لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ. وقوله: وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ تأكيد لقوله وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ. لمّا وقع الاهتمام بأنه لا يوافقهم على عبادة الأصنام، وبأن الله قد حرمهم أن يدخلوا في دين الإسلام- أكّد ذينك لشدة الاهتمام بهما. فهذا تأكيد واحد لكل واحد من الخبرين. وعلى الجملة: فقد أكد نفي عبادته لأصنامهم بقوله: وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ وأكّد نفي عبادتهم لمعبوده بقوله وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ وإن حمل ذلك على وقتين مختلفين، فلا تأكيد إذن.

ومثال تكرير التأكيد قوله تعالى: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ كَلَّا ... [التكاثر: ١- ٤] المعنى: ألهاكم التكاثر بالأموال والأولاد عن الاستعداد للمعاد، ثم زجرهم عن التكاثر بقوله كَلَّا ثم هددهم بقوله: سَوْفَ تَعْلَمُونَ. ثم أكد الزجر الأول ب كَلَّا الثانية، ثم أكد التهديد ب سَوْفَ تَعْلَمُونَ، ثم أكد الزجر ب «كلّا الثالثة» فزجرهم ثلاث مرات للاهتمام بزجرهم عن ذلك. وهددهم على ذلك مرتين للاهتمام بالاستعداد للمعاد.

<<  <  ج: ص:  >  >>