للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرابع: ما أخرجه مسلم «١» عن البراء: أن قوله تعالى وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ. الثلاث الآيات في الكفار كلها. وكذا ما أخرجه أبو داود عن ابن عباس: أنها في اليهود خاصة، قريظة والنضير- لا ينافي تناولها لغيرهم، لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا يخصص السبب، وكلمة مِنْ وقعت في معرض الشرط فتكون للعموم.

الخامس: كفر الحاكم بغير ما أنزل بقيد الاستهانة به والجحود له، هو الذي نحاه كثيرون وأثروه عن عكرمة وابن عباس.

وروى الحاكم وابن أبي حاتم وعبد الرازق عن ابن عباس وطاوس: أن من لم يحكم بما أنزل الله، هي به كفر، وليس بكفر ينقل عن الملة. كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. ونحو هذا روى الثوريّ، عن عطاء قال: هو كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق. رواه ابن جرير «٢» .

ونقل في (اللباب) عن ابن مسعود والحسن والنخعيّ: أن هذه الآيات الثلاث عامة في اليهود وفي هذه الأمة، فكل من ارتشى وبدل الحكم فحكم بغير حكم الله، فقد كفر وظلم وفسق. وإليه ذهب السدّيّ. لأنه ظاهر الخطاب. ثم قال: وقيل: هذا فيمن علم نص حكم الله ثم رده عيانا عمدا، وحكم بغيره. وأما من خفي عليه النص أو أخطأ في التأويل، فلا يدخل في هذا الوعيد.. انتهى.

وقال إسماعيل القاضي في (أحكام القرآن) : ظاهر الآيات يدل على أن من فعل مثل ما فعلوا- يعني اليهود- واخترع حكما يخالف به حكم الله، وجعله دينا يعمل به فقد لزمه مثل ما لزمهم من الوعيد المذكور، حاكما كان أو غيره.

السادس: روي سبب آخر في نزول هذه الآيات الكريمات.

أخرج الإمام أحمد «٣» عن ابن عباس قال: إن الله أنزل وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ وفَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وفَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ في الطائفتين من اليهود. وكانت إحداهما قد قهرت الأخرى في الجاهلية حتى ارتضوا أو اصطلحوا على أن كل قتيل قتله العزيزة من الذليلة فديته خمسون وسقا، وكل


(١) أخرجه في: الحدود، حديث ٢٨.
(٢) عن ابن عباس: الأثر ١٢٠٥٣ و ١٢٠٥٤ و ١٢٠٥٥.
وعن طاوس: الأثر ١٢٠٥٢ و ١٢٠٥٦.
وعن عطاء: الأثر ١٢٠٤٧.
(٣) أخرجه في المسند ١/ ٢٤٥ والحديث رقم ٢٢١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>