للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تأكيد لوجوب الامتثال، وتمهيد لما يعقبه من قوله وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ أي: يصرفوك عنه. وإظهار الاسم الجليل لتأكيد الأمر بتهويل الخطب. كإعادة (ما أنزل الله) فَإِنْ تَوَلَّوْا أي: عن الحكم المنزل وأرادوا غيره فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ يعني بذنب التولّي عن حكم الله، وإرادة خلافه، فوضع (ببعض ذنوبهم) موضع ذلك. وأراد: أن لهم ذنوبا جمة كثيرة العدد. وأن هذا الذنب- مع عظمه- بعضها وواحد منها.. وهذا الإبهام لتعظيم التولي، واستسرافهم في ارتكابه، ونحو (البعض) في هذه الكلام ما في قول لبيد. (أو يرتبط بعض النفوس حمامها..!) أراد نفسه. وإنما قصد تفخيم شأنها بهذا الإبهام. كأنه قال: نفسا كبيرة ونفسا أيّ نفس. فكما أن التنكير يعطي معنى التكبير وهو معنى البعضية، فكذلك إذا صرح بالبعض. كذا في (الكشاف) .

وفي (الحواشي) : ومثل هذا قوله تعالى: وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ [البقرة: ٢٥٣] . أراد محمدا صلى الله عليه وسلم وقيل: ذلك من الخصوص الذي أريد به العموم وقيل: أراد العذاب في الدنيا. وأما في الآخرة فإنه يعذب بجميع الذنوب. ولقد تلطف القائل:

وأقول بعض الناس عنك كناية ... خوف الوشاة، وأنت كلّ الناس

وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ أي: المتمردون في الكفر معتدون فيه وهذا تسجيل عليهم بالمخالفة. يعني: إن التولّي عن حكم الله من التمرد العظيم والاعتداء في الكفر. والجملة اعتراض تذييليّ مقرر لمضمون ما قبله. ونظيرها قوله تعالى: وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف: ١٠٣] . وقوله تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام: ١١٦] .

روى ابن جرير «١» وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قال كعب بن أسد، وابن صلوما، وعبد الله بن صوريا، وشاس بن قيس بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه، فأتوه فقالوا: يا محمد! إنك قد عرفت أنّا أحبار يهود وأشرافهم وساداتهم. وأنا- إن اتبعناك- اتبعنا يهود، ولم يخالفونا. وأن بيننا وبين قومنا خصومة فنحاكمهم إليك، فتقضي لنا عليهم، ونؤمن لك ونصدقك. فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله عزّ وجلّ فيهم: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ. الآية.


(١) الأثر رقم ١٢١٥٠ من التفسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>