للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المائدة (٥) : آية ٦٣]]

لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ (٦٣)

لَوْلا أي هلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ أي: الزهاد منهم والعبّاد وَالْأَحْبارُ أي العلماء عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ أي الكذب وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ أي الرشوة، المفسدة أمر العالم كله لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ من ترهبهم وتعلمهم لغير دين الله. أو من تركهم نهيهم. وهذا الذم المقول فيهم، أبلغ مما قيل في حق عامتهم. أولا: لأنه لما عبر عن الواقع المذموم من مرتكبي المناكير بالعمل في قوله: لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ، وعبّر عن ترك الإنكار عليهم حيث ذمه بالصناعة في قوله: لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ- كان هذا الذم أشد. لأنه جعل المذموم عليه صناعة لهم وللرؤساء، وحرفة لازمة، هم فيها أمكن من أصحاب المناكير في أعمالهم.

وهذا معنى قول الزمخشريّ: كأنهم جعلوا آثم من مرتكبي المناكير، لأن كل عامل لا يسمى صانعا، ولا كل عمل يسمى صناعة، حتى يتمكن فيه ويتدرب وينسب إليه. وكأن المعنى في ذلك، أن مواقع المعصية معه الشهوة التي تدعوه إليها وتحمله على ارتكابها. وأما الذي ينهاه، فلا شهوة معه في فعل غيره. فإذا فرط في الإنكار كان أشد حالا من المواقع. ثم قال الزمخشري: ولعمري! إن هذه الآية مما يقذ السامع وينعى على العلماء توانيهم. انتهى:

وفي (الإكليل) : في هذه الآية وجوب النهى عن المنكر على العلماء، اختصاص ذلك بهم.

وقال البيضاويّ: فيها تحضيض لعلمائهم على النهي عن ذلك، فإن (لولا) إذا دخل على الماضي أفاد التوبيخ، وإذا دخل على المستقبل أفاد التحضيض.

روى ابن جرير «١» عن ابن عباس قال: ما في القرآن آية أشدّ توبيخا من هذه الآية.

وقال الضحاك «٢» : ما في القرآن آية أخوف عندي منها.


(١) الأثر رقم ١٢٢٣٩ من التفسير.
(٢) الأثر رقم ١٢٢٣٨ من التفسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>