للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ناصر الدين في (الانتصاف) : هو ينتهز الفرصة من ظاهر هذه الآية فيجعله دليلا على قاعدته، في أن مجرد الإيمان لا ينجي من الخلود في النار، حتى ينضاف إليه التقوى. لأن الله تعالى جعل المجموع في هذه الآية شرطا للتكفير ولإدخال الجنة. وظاهره أنهما ما لم يجتمعا لا يوجد تكفير ولا دخول الجنة. وأنى له ذلك؟

والإجماع والاتفاق من الفريقين- أهل السنة والجماعة، والمعتزلة- على أن مجرد الإيمان يجبّ ما قبله ويمحوه كما ورد النص. فلو فرضنا موت الداخل في الإيمان عقيب دخوله فيه، لكان كيوم ولدته أمه- باتفاق- مكفّر الخطايا محكوما له بالجنة. فدل ذلك على أن اجتماع الأمرين ليس بشرط، هذا إن كان المراد بالتقوى الأعمال. وإن كانت التقوى- على أصل موضعها- الخوف من الله عز وجل، فهذا المعنى ثابت لكل مؤمن وإن قارف الكبائر، وحينئذ لا يتم للزمخشريّ منه غرض.

وما هذا إلا إلحاح ولجاج في مخالفة المعتقد المستفاد من

قوله «١» عليه الصلاة والسلام: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى أو سرق. كررها النبيّ صلى الله عليه وسلم مرارا، ثم قال: وإن رغم أنف أبي ذر. لمّا راجعه رضي الله في ذلك، ونحن نقول: وإن رغم أنف القدرية

. انتهى.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المائدة (٥) : آية ٦٦]]

وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ (٦٦)

وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ أي: أقاموا أحكامهما وحدودهما وما فيهما من نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأصل الإقامة الثبات في المكان. ثم استعير إقامة الشيء لتوفية حقه وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ أي: بيّنوا ما بيّن لهم ربهم في التوراة والإنجيل. ويقال: أقروا بجملة الكتب والرسل من ربهم، ويقال: هو القرآن:


(١)
أخرجه البخاري في: اللباس، ٢٤- باب الثياب البيض، حديث ٦٦٠ ونصه: عن أبي ذر قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم. ثم أتيته وقد استيقظ فقال «ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك، إلا دخل الجنة» قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال «وإن زنى وإن سرق؟» قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال «وإن زنى وإن سرق» قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال «وإن زنى وإن سرق، على رغم أنف أبي ذر» . وكان أبي ذر إذا حدث بهذا، قال: وإن رغم أنف أبي ذر.
قال عبد الله (أي البخاري) : هذا عند الموت أو قبله، إذا تاب وندم وقال: لا إله إلا الله، غفر له.
وأخرجه مسلم في: الإيمان، حديث ١٥٤
.

<<  <  ج: ص:  >  >>