للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيضا تصرف. واستنسخ عثمان رضي الله عنه، من ذلك المصحف، مصاحف أرسل بها إلى الآفاق ليستفيدوا منها، ولا يميلوا إلى ترتيب آخر. ولما كان بين أسلوب السور، وأسلوب أمثلة الملوك مناسبة تامة، روعي في الابتداء والانتهاء طريق المكاتيب، كما يبتدئون في بعض المكاتيب بحمد الله عز وجل، والبعض الآخر ببيان غرض الإملاء، والبعض الآخر باسم المرسل والمرسل إليه. ومنها ما يكون رقعة وشقة بغير عنوان، وبعضها يكون مطولا وبعضها يكون مختصرا كذلك سبحانه وتعالى صدّر بعض السور بالحمد والتسبيح، وبعضها ببيان غرض الإملاء، كما قال عز وجل: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة: ٢] ، سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها [النور: ١] ، وهذا القسم يشبه ما يكتب «هذا ما صالح فلان وفلان» و «هذا ما أوصى به فلان» .

وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم كتب في واقعة الحديبية: «هذا ما قاضى عليه محمد صلّى الله عليه وسلّم» «١» .

وبعضها يذكر المرسل والمرسل إليه كما قال: تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الزمر: ١] ، كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود: ١] ، وهذا القسم يشبه ما يكتبون: «صدر الحكم من حضرة الخلافة» ، أو يكتبون: «هذا إعلام لسكنة البلدة الفلانية من حضرة الخلافة» .

وقد كان كتب صلّى الله عليه وسلّم: «من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم» .

وبعضها على أسلوب الرقاع والشقق بغير عنوان، كما قال عز وجل: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ [المنافقون: ١] ، قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها [المجادلة: ١] ، يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ [التحريم: ١] .

ولما كانت للقصائد في فصاحة الكلام شهرة عند العرب، وكان من عاداتهم في مبدأ القصائد التشبيب بذكر مواضع عجيبة، ووقائع هائلة- اختار الله عز وجل هذا الأسلوب في بعض السور، كما قال: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً [الصافات: ١- ٢] ، وَالذَّارِياتِ ذَرْواً فَالْحامِلاتِ وِقْراً [الذاريات: ١- ٢] ، إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ [التكوير: ١- ٢] .

وكما كانوا يختمون المكاتيب بجوامع الكلم، ونوادر الوصايا، وتأكيد


(١) أخرجه البخاري في الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، الذي رواه المسور بن مخرمة ومروان عن غزوة الحديبية.

<<  <  ج: ص:  >  >>