للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بهم قبل عيسى وبعده. وذلك أن أنبياءهم قبل عيسى كانوا يوبخون رؤساءهم الأشرار وشعبهم على خطاياهم. ولا سيما في عبادتهم الأوثان. وينحصوهم أن يرجعوا إلى الله. وينذرونهم بعقابه تعالى الشديد ودمارهم إن لم يتوبوا. كما أنبأهم إرميا عليه السلام بخراب بلدهم، وقضائه تعالى الهائل عليهم، إن أصرّوا على طغيانهم. فما استمعوا له. حتى روي أنه ختم له بالشهادة. إذ رجمته اليهود بمصرّ عتوّا واستكبارا.

ثم سلط الله عليهم بختنصر، ملك بابل، وسبى شعبهم وهدمت جنوده مدينتهم بيت المقدس وهيكلها. وصار تلال خراب. وذلك لاستئصال كفرهم وشرورهم، وتطهير هيكلهم من نجاسة أوثانهم. فحلّ عليهم من البابلية الشقاء والويل. وأخذوا أسرى إلى ما وراء الفرات. ولم يترك منهم إلّا الفقراء فقط، وبذلك انتهى ملكهم، وكان ذلك قبل ولادة عيسى عليه السلام بنحو خمسمائة وثمان وثمانين سنة. ثم تاب الله عليهم ورحمهم من سبيهم، وأعادهم برحمته إلى مدينتهم بيت المقدس. بعد أن أقاموا في بابل سبعين سنة. وابتدءوا ببناء هيكلهم ثانية. وأرجعوا العبادة إليه. وقام حزقيال عليه السلام بوعظهم وتهذيبهم ودعوتهم إلى التوبة وتذكيرهم بما مضى ليعتبروا. وهكذا كل نبيّ فيهم، لم يزل ينذرهم ويدعوهم إلى الله إلى أن بعث الله عيسى عليه السلام. فعموا عن الاهتداء به وصمّوا عن وعظه، وكان ما كان من همّهم بقتله. فدمرهم الله بعد ذلك وأباد مملكتهم. وطردوا من أرضهم بعد رفع عيسى عليه السلام بنحو أربعين سنة. وأخذ الرومانيون مدينتهم وهدموها مع الهيكل. وحلت عليهم نقمة الله فتفرقوا شذر مذر.

هذا، وما قيل بأن قوله تعالى فَعَمُوا وَصَمُّوا إشارة إلى عبادتهم العجل- فإنه بعيد. لأنها، وإن كانت معصية عظيمة ناشئة عن كمال العمى والصمم، لكنها في عصر موسى عليه السلام. ولا تعلّق لها بما حكي عنهم مما فعلوا بالرسل الذين جاءوهم بعده عليه السلام بأعصار. وكذا ما قيل بأن قوله تعالى: ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا إشارة إلى طلبهم الرؤية- فبعيد أيضا، لما ذكرنا. وفنون الجنايات الصادرة عنهم لا تكاد تتناهى. خلا أنّ انحصار ما حكي عنهم هاهنا في المرتين، وترتبه على حكاية ما فعلوا بالرسل عليهم السلام، يقضي بأن المراد ما ذكرناه. والله عنده علم الكتاب.

كذا أفاده أبو السعود.

ونحن نوافقه على ما رآه. بيد أنّ ما سقناه في التنبيه أظهر في ما جرياتهم، وأشد مطابقة لما في تواريخهم، مما ساقه هنا. فتثبّت.

ويرحم الله الإمام القفال حيث قال: ذكر الله تعالى في سورة (بني إسرائيل)

<<  <  ج: ص:  >  >>