للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بتقدمهم عليهم في الحرص. وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى للين جانبهم وقلة غلّ قلوبهم.

قال ابن كثير: وما ذاك إلا لما في قلوبهم، إذ كانوا على دين المسيح، من الرقة والرأفة، كما قال تعالى: وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً [الحديد: ٢٧] . وفي كتابهم: من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر.

وليس القتال مشروعا في ملّتهم. انتهى.

ولأن من مذهب اليهود، أنه يجب إيصال الشر إلى من خالف دينهم بأي طريق كان، من القتل ونهب المال ونحوهما، وهو عند النصارى حرام. فحصل الفرق.

وقد روى ابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعا: ما خلا يهوديّ بمسلم إلا همّ بقتله.

ولكثرة اهتمام النصارى بالعلم والترهب، مما يدعو إلى قلة البغضاء والحسد، ولين العريكة، كما أشير إليه بقوله تعالى: ذلِكَ أي: كونهم أقرب مودة للمؤمنين بِأَنَّ مِنْهُمْ أي: بسبب أن منهم قِسِّيسِينَ أي علماء وَرُهْباناً أي عبّادا متجردين وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ أي: يتواضعون لوداعتهم ولا يتكبرون كاليهود.

وفي الآية دليل على أن الإقبال على العلم، والإعراض عن الشهوات، والبراءة من الكبر- محمود. وإن كان ذلك من كافر.

[لطيفة:]

قال الناصر في (الانتصاف) :

إنما قال تعالى: الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ولم يقل (النّصارى) تعريضا بصلابة اليهود في الكفر والامتناع من الامتثال للأمر، لأن اليهود قيل لهم: ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ [المائدة: ٢١] فقابلوا ذلك بأن قالوا: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ [المائدة: ٢٤] . والنصارى قالوا: نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ [آل عمران: ٥٢] . ومن ثم سمّوا نصارى. وكذلك أيضا ورد أول هذه السورة. وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ [المائدة: ١٤] . فأسند ذلك إلى قولهم، والإشارة به إلى قولهم: نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ لكنه هاهنا ذكر تنبيها على أنهم لم يثبتوا على الميثاق ولا على ما قالوه من أنهم أنصار الله. وفي الآية الثانية ذكر تنبيها على أنهم أقرب حالا من اليهود.

لأنهم لما ورد عليهم الأمر لم يكافحوه بالردّ مكافحة اليهود. بل قالوا: نَحْنُ أَنْصارُ

<<  <  ج: ص:  >  >>