للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخر الشيء يستلزم ذهاب ما قبله. وهو من (دبره) إذا تبعه، فكان في دبره. أي:

خلفه. فالدابر ما يكون بعد الآخر، ويطلق عليه تجوّزا. وقال أبو عبيد: دابر القوم آخرهم. وقال الأصمعيّ: الدابر الأصل، ومنه: قطع الله دابره، أي: أصله.

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ أي: على ما جرى عليهم من الهلاك. فإن إهلاك الكفار والعصاة من حيث إنه تخليص لأهل الأرض، من شؤم عقائدهم وأعمالهم، نعمة جليلة يحق أن يحمد عليها، لا سيما مع ما فيه من إعلاء كلمة الحق التي نطقت بها رسلهم، عليهم السلام.

[تنبيهات:]

الأول- روي في هذه الآية أخبار وآثار. منها ما

أخرجه الإمام أحمد «١» عن عقبة بن عامر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج. ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ..-

إلى-.. هُمْ مُبْلِسُونَ ورواه ابن جرير «٢» وابن أبي حاتم عنه.

وروى ابن أبي حاتم أيضا عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: إذا أراد الله بقوم اقتطاعا فتح لهم (أو فتح عليهم) باب خيانة، حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً.. الآية. ورواه أحمد وغيره.

وقال الحسن البصري: من وسع الله عليه، فلم ير أنه يمكر به، فلا رأي له.

ومن قتّر عليه، ولم ير أنه ينظر له، فلا رأي له. ثم قرأ. فَلَمَّا نَسُوا ... الآية- قال الحسن: مكر بالقوم، ورب الكعبة! أعطوا حاجتهم ثم أخذوا.

وقال قتادة: بغت القوم أمر الله، وما أخذ الله قوما قط إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم، فلا تغتروا بالله، فإنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون- روى ذلك ابن أبي حاتم- الثاني- قال الرازيّ: قال أهل المعاني: وإنما أخذوا في حال الرخاء والراحة ليكون أشد، لتحسرهم على ما فاتهم من السلامة والعافية.

الثالث- قال الزمخشري: في قوله تعالى: وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ إيذان


(١) أخرجه في المسند ٤/ ١٤٥.
(٢) الأثر رقم ١٣٢٤١ من التفسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>