للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «١» : «مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله تعالى. لا يعلم أحد ما يكون في غد إلا الله، ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام إلا الله. ولا تعلم نفس ماذا تكسب غدا. ولا تدري نفس بأي أرض تموت. ولا يدري أحد متى يجيء المطر» - أخرجه البخاري- وله ألفاظ. وفي رواية: ولا يعلم أحد متى تقوم الساعة إلا الله.

انتهى.

الثاني- قرئ (ولا حبة ولا رطب ولا يابس) بالرفع، وفيه وجهان: أن يكون عطفا على محل (من ورقة) وأن يكون رفعا على الابتداء، وخبره إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ كقولك: لا رجل منهم ولا امرأة إلا في الدار- كذا في الكشاف-.

الثالث- ما أسلفناه في (الكتاب المبين) من أنه (اللوح المحفوظ) هو المتبادر من إطلاقه أينما ورد. وقيل: الكتاب المبين علم الله تعالى. والأظهر الأول.

قال الزجاج: يجوز أن يكون الله جل ثناؤه أثبت كيفية المعلومات في كتاب من قبل أن يخلق الخلق، كما قال عز وجل: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها [الحديد: ٢٢] . وفائدة هذا الكتاب أمور:

أحدها- أنه تعالى إنما كتب هذه الأحوال في اللوح المحفوظ لتقف الملائكة على نفاذ علم الله تعالى في المعلومات، وأنه لا يغيب عنه مما في السموات والأرض شيء. فيكون ذلك عبرة تامة كاملة للملائكة الموكلين باللوح المحفوظ، لأنهم يقابلون به ما يحدث في صحيفة هذا العالم، فيجدونه موافقا له.

وثانيها- يجوز أن يقال: إنه تعالى ذكر ما ذكر، من الورقة والحبة، تنبيها للمكلفين على أمر الحساب، وإعلاما بأنه لا يفوته من كل ما يصنعون في الدنيا شيء، لأنه إذا كان لا يهمل الأحوال التي ليس فيها ثواب ولا عقاب ولا تكليف، فبأن لا يهمل الأحوال المشتملة على الثواب والعقاب أولى.

وثالثها- أنه تعالى علم أحوال جميع الموجودات، فيمتنع تغييرها عن مقتضى ذلك العلم، وإلا لزم الجهل، فإذا كتب أحوال جميع الموجودات في ذلك الكتاب على التفصيل التام، امتنع أيضا تغييرها، وإلا لزم الكذب، فتصير كتبة جملة الأحوال في ذلك الكتاب موجبا تامّا، وسببا كاملا في أنه يمتنع تقدم ما تأخر، وتأخر ما تقدم،


(١) أخرجه البخاري في: الاستسقاء، ٢٩- باب لا يدري متى يجيء المطر إلا الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>