للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني- قال الخفاجي: قيل: الآية تدل على أنه يحلّ أخذ الأجر للتعليم وتبليغ الأحكام. قال: وللفقهاء فيه كلام. انتهى.

وعكس بعض مفسري الزيدية حيث قال: في هذا إشارة إلى أنه لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم العلوم، لأن ذلك جرى مجرى تبليغ الرسالة. انتهى.

أقول: إن الآية على نفي سؤاله صلى الله عليه وسلم منهم أجرا، كي لا يثقل عليهم الامتثال.

وأما استفاده الحل والتحريم منها، ففيه خفاء. والقائل بالأول يقول: المعنى لا أسألكم جعلا تعففا. أي: وإن حلّ لي أخذه. وبالثاني: لا أسألكم عليه أجرا لأني حظرت من ذلك.

قال ابن القيّم: أما الهدية للمفتي، ففيها تفصيل: فإن كانت بغير سبب الفتوى، كمن عادته يهاديه أو من لا يعرف أنه مفت، فلا بأس بقبولها، والأولى أن يكافأ عليها. وإن كانت بسبب الفتوى، فإن كانت سببا إلى أن يفتيه بما لا يفتي به غيره ممن لا يهدي له، لم يجز له قبول هديته. لأنها تشبه المعاوضة على الإفتاء.

وأما أخذ الرزق من بيت المال، فإن كان محتاجا إليه، جاز له ذلك. وإن كان غنيّا عنه، ففيه وجهان: وهذا فرع متردد بين عامل الزكاة، وعامل اليتيم. فمن ألحقه بعامل الزكاة قال: النفع فيه عام، فله الأخذ. ومن ألحقه بعامل اليتيم منعه من الأخذ.

وحكم القاضي في ذلك حكم المفتي، بل القاضي أولى بالمنع. وأما أخذ الأجرة فلا يجوز، لأن الفتيا منصب تبليغ عن الله ورسوله، فلا يجوز المعاوضة عليه، كما لو قال: لا أعلمك الإسلام والوضوء والصلاة إلا بأجرة. أو سئل عن حلال أو حرام؟ فقال للسائل: لا أجيبك عنه إلا بأجرة، فهذا حرام قطعا، ويلزمه ردّ العوض، ولا يملكه، انتهى.

وفي حديث عبد الرحمن بن شبل عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: اقرءوا القرآن، ولا تغلوا فيه، ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به- أخرجه الإمام أحمد «١» برجال الصحيح. وأخرجه أيضا البزار

وله شواهد-.

وأخرج أحمد «٢» والترمذي- وحسّنه- عن عمران بن حصين أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ القرآن فليسأل الله تبارك وتعالى به، فإنه سيجيء قوم يقرءون القرآن يسألون الناس به.


(١) أخرجه في المسند ٣/ ٤٢٨.
(٢) أخرجه في المسند ٤/ ٤٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>