للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى: أطلب معبودا، لأنهم كانوا يتحاكمون إلى طواغيتهم- وهذا عندي أظهر- ثم رأيت في (تنوير المقباس) الاقتصار عليه، حيث قال أَبْتَغِي حَكَماً أعبد ربّا. وأما كون الآية واردة على قولهم (اجعل بيننا وبينك حكما) فلا يصح، لأنهم بمعزل عن الانصياع لذلك.

وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ أي: القرآن المعجز، مُفَصَّلًا أي: مبينا فيه الفصل بين الحق والباطل، والحلال والحرام، وأنتم أمة أمية، لا تدرون ما تأتون وما تذرون.

[وفي الآية مسائل:]

الأولى- قال في (الإكليل) : استدل الخوارج بقوله تعالى أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً على إنكارهم التحكيم. قال: وهو مردود، فإن التحكيم المنكر أن يريد حكما يحكم بغير ما حكم الله تعالى. انتهى.

قلت: هذا مبنيّ على الوجه الأول، وقد عرفت أن الأظهر الوجه الثاني، فلا استدلال، ولا ردّ.

الثانية- قالوا: الحكم أبلغ من الحاكم، وأدل على الرسوخ، لما أنه لا يطلق إلا على العادل، وعلى من تكرر منه الحكم، بخلاف الحاكم.

الثالثة- في الآية تنبيه على أن القرآن الكريم كاف في أمر الدين، مغن عن غيره، ببيانه وتفصيله.

وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لما عندهم من البشارات بك من الأنبياء المتقدمين، ولتصديقه ما عندهم، مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يمارس كتبهم، ولم يخالط علماءهم. وهذا تقرير لكونه منزلا من عند الله ببيان أن الذين وثق بهم المشركون من علماء أهل الكتاب عالمون بحقيقته ونزوله من عنده تعالى.

فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ أي: في أنه منزل من ربك بالحق، بسبب جحود أكثرهم وكفرهم به، فيكون من باب التهييج والإلهاب، كقوله تعالى: وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام: ١٤] .

قال ابن كثير: هذا كقوله تعالى: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ، لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ [يونس: ٩٤] . قال: وهذا شرط، والشرط لا يقتضي وقوعه. ولهذا جاء

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا أشك ولا أسأل.

انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>